دعاني الصديق البريطاني وليام موريس إلى جلسة نقاش في العاصمة البريطانية، كان موضوعها التطورات التي تمر بها ليبيا بعد الثورة، ودعا الناشط والكاتب السياسي المعروف حسن الأمين لإلقاء الورقة التي يدور حولها النقاش، بمشاركة لفيف من أهل الصحافة والسياسة.
رسم الأستاذ الأمين صورة واضحة للحالة الليبية في وقتنا الراهن، مستهلا حديثه بإكبار الثورة التي انطلقت في 17 فبراير 2011 مشيدا بنقاء منطلقاتها وقوة دوافعها لدى الشعب الليبي الذي قدم أروع أمثلة البطولة والاستبسال، بشكل نال إعجاب العالم، حتى استطاعت الثورة الإطاحة بأحد أشرس الطغاة في التاريخ.
وأشاد أيضا بالطريقة التي تمت بها انتخابات المجلس الوطني العام، وأظهرت قدرة الشعب الليبي على التعامل مع قيم الديمقراطية، إلا أنه انتقد المرحلة التي سبقت الانتخابات، وهي لحظة هروع أعضاء المجلس الانتقالي المؤقت برئاسة مصطفى عبد الجليل إلى طرابلس بعد تحريرها، تاركين بنغازي في حالة فراغ تفاقم وأنتج الكوارث التي تعاني منها بنغازي، مثل استشراء أهل الأجندات الخاصة، وتكاثر الشراذم المسلحة، واستهداف عناصر الثورة بالقتل مثل الشهيد عبد السلام المسماري، كما توقف بشكل عابر عند يوم تحرير ليبيا وكلمة عبد الجليل، التي جانب فيها التوفيق لأنه كان متوقعا أن يرسم في تلك الكلمة خريطة طريق لليبيا القادمة، ولكنه انشغل بالحديث عن إباحة الزواج بأربع زوجات.
وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أداء المؤتمر الوطني العام، وكان عضوا من أعضائه واستقال لأسباب كثيرة، كان من بينها أن المؤتمر ترك مهمته الأساسية، واستغرق في أمور ليست من صلب اختصاصه، الذي يتمثل في تهيئة ليبيا إلى بناء مؤسساتها الدستورية الثابتة، مثل صياغة الدستور وقانون انتخابات البرلمان والاتفاق على شكل الدولة وتسليم المهمة لهذه المؤسسات الثابتة. ثم توقف عند ظاهرة الجماعات المسلحة التي تمارس السلطة من خارج الدولة والقانون، وتعمل على فرض إرادتها على المؤتمر الوطني العام نفسه، وإرغام أعضائه على إصدار قوانين مثل قانون العزل السياسي الذي يراه حسن وصمة عار في تاريخ هذا المؤتمر.
لا أستطيع الإتيان على كل النقاط التي مر عليها المحاضر في ورقته، لأنه فعلا أحاط بجوانب كبيرة لا يتسع المجال لذكرها، وأشار إلى العوامل الداخلية والخارجية الفاعلة في المشهد الليبي حاضرا، والتي أفلحت في إخراج الثورة عن مسارها، والوصول بها إلى حالة من الفوضى وشلل الأجهزة الرسمية، ومنعها من استكمال قوتها، ولم يستبعد ما أسماه قوى تعمل في الظلام تريد فرض أجندتها والمضي بالبلاد في غير مصلحة الشعب الليبي.
وأحال لي السيد وليام موريس الكلمة لأكون أول المعقبين على ورقة الأستاذ الأمين، فأثنيت على ما فيها من تحليل باعتبارها شهادة صادقة يقدمها رجل من داخل الحراك الثوري والسياسي، يعرف أدق التفاصيل، وقلت أن ما يهمنا الآن وما نريد الوصول إليه، هو كيفية الخروج من هذا المأزق الذي وصلت إليه الثورة الليبية؟ ولعل هذا الخروج يقتضى أن نعرف أولا متى حصل الانحراف عن الخط السليم للثورة؟ متى بدأ الخطأ وكيف استفحل إلى هذا الشكل الكارثي؟ وكيف يمكن تفادي هذا الوضع؟ ومن هي القوى المرشحة لإنقاذ الموقف؟
وأكدت أنني أشاطر صاحب العرض يقينه أن الثورة الليبية كانت ثورة حقيقية، توفرت لها مؤهلات النقاء والعفوية، وحتمتها عوامل الظلم والقهر، ومضت في سياقها الصحيح حتى بدأت قوى خارجية ظلامية ذات أجندات خاصة تدخلها.
وإذا أردتُ تحديد نقطة في التاريخ، بدأ بها العد التنازلي للمسيرة النقية للثورة واقتحام القوى الشريرة للمشهد الليبي، أقول أنها يوم مقتل القائد العسكري للثوار عبد الفتاح يونس، فقد كان يملك وحده مقومات السيطرة على الجيش والشرطة، وأن يقيهما من التفتت والانهيار، وعرف أعداء الثورة وأصحاب الأجندات الإجرامية. وكان عقبة كأداء في وجه المخططات التي تسعى لتأسيس ميليشيات الإسلام السياسي بألوانه المتطرفة وصولا إلى تنظيم القاعدة.
ورغم تحفظنا على عناصر جاء بها صندوق الاقتراع، ووضعها فوق مقاعد المؤتمر الوطني العام، فقد كنا راضين بأن تتصرف هذه العناصر وفق قناعاتها، إلا أن هذه العناصر لم تكن حرة في ممارسة عملها، وفرضت عليها الميليشيات المسلحة القوانين والتشريعات التي تريدها، وما حصار المؤتمر وحجزه في منطقة الكريمية إلا مثال على ذلك. ليس سهلا في هذا الحيز الإحاطة بكل ما دار في جلسة النقاش من أفكار، وإنما هي إشارات أردت بها إعطاء فكرة عن انشغال أناس كثر بالشأن الليبي، بينهم هذه المجموعة من أهل الصحافة والسياسة في العاصمة البريطانية، فليبيا بقدر ما هي مهمة لشعبها وأهلها، فإن أناسا كثيرين في العالم يهمهم استقرارها وأمنها.
وأختم بأن إحدى النقاط التي وجدت توافقا من الحاضرين باعتبارها إحدى نقاط الخروج من المأزق، هي أن ليبيا كانت منذ تأسيسها ابنة شرعية لهيئة الأمم المتحدة، وكانت هذه الهيئة الأممية حاضرة في ثورة 17 فبراير وعاملا في تحقيق الانتصار على الطغيان، ولا بأس من أن تستعين ليبيا في المأزق الذي يواجهها بهذه الهيئة، للتغلب على المصاعب، وتأسيس مؤسساتها وأركان دولتها الحديثة، التي تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح، وتعيد الاعتبار للنظام والقانون، وضمان الأمن للمواطن الليبي.