الطيوب
افتتح في بيت اسكندر للثقافة والفنون بالمدينة القديمة طرابلس مساء يوم الثلاثاء 15 مارس الجاري، بالتعاون مع جهاز إدارة المدينة القديمة وبرعاية شركة ليبيانا للهاتف المحمول فاعليات معرض تداخل الفني الذي تمتد أيامه حتى مساء يوم الجمعة 18 من شهر مارس، وقد شهدت أروقته مشاركة واسعة لمجموعة من الفنانين التشكيليين من ليبيا وبعض الدول العربية وسط حضور لافت من الجمهور الزائر، ومن أبرز الأسماء المشاركة بالمعرض “نجلاء شوكت الفيتوري”، “محمد بن لامين”، “القذافي الفاخري”، “مريم الصيد”، ” عبد الناصر الأغا”، “خلود الزوي” ، “عمار بوخريص”، “عبد الرزاق الرياني”، “مروة التومي”، “إيمان سالم” ، “عبد الرحمن الزوي بركة” ومن الجزائر التشكيلي “مصطفى قاجاتي” ومن مصر التشكيلية” مها إبراهيم” بالإضافة للعديد من المشاركات الأخرى، الجدير بالذكر أن هذا المعرض جاء نتيجة لورشة عمل امتدت لنحو أسبوع من 25 إلى 27 من شهر يناير المنصرم.
تنوع المشارب التشكيلية
وتضمن المعرض حضور ملحوظ لمعظم المدارس الفنية التشكيلية حيث عُرضت باقة متنوعة من المشارب والإتجاهات التشكيلية المختلفة فمن واقعية عبد الرزاق الرياني وشخوص عفراء الأشهب وصولا إلى ثورية نجلاء شوكت الفيتوري وحروفيّات محمد الخروبي، وأوجد هذا التمازج تميزا احتفظ بخصوصية كل عمل ولوحة ليُضفي على كل عمل بصمة صاحبه والرسالة التي يطويها بين تضاريس الظلال وحِكمة الألوان.
اللغة العالمية للفن
وتوقفنا عند التشكيلي الصاعد “عبد الرحمن الزوي بركة” الذي حدثنا عن مشاركته قائلا : مشاركتي بمعرض تداخل بالتأكيد هي جيدة وفرصة ممتازة للالتقاء بالتجارب التشكيلية من كل مدن ومناطق ليبيا ومن خارج ليبيا وهذا ما أفسح المجال للتنوع للفنان أولا وللزوار والمهتمين ثانيا، فتنوع الأفكار وتنوع المدارس والأساليب وهي تعد بادرة محمودة للفنان وللجمهور للارتقاء بالذائقة الفنية لدى الناس كون أن لغة الفن لغة عالمية ولغة تهذيب النفس، وعن مشاركته أضاف أنه مشارك بعمل فني واحد أستخدمت فيه الألوان الزيتية تحت اسم الميراث العظيم وهو عبارة عن لوحة تجسد التراث ومكوناته وتوارث الأجيال له من خلال شيخ كهل يمنح المصحف لطفل صغير وهو يرتدي الزي التقليدي الليبي وودت أن تكون النافذة بمثابة النور كما في القرآن الكريم وهي الميراث العظيم، واختتم حديثه بتوجيه الشكر والامتنان لكل القائمين على المعرض.
عشق الصحراء
وبعد غياب طويل عن الرسم تفيدنا التشكيلية “إيمان سالم ” حول مشاركتها الأولى بأنها من عشاق البيئة الصحراوية الليبية خصوصا مدن ومناطق الجنوب وشعب الطوارق فلطالما استهوتني تقاليدهم وأزياؤهم الزاهية وثراء ثقافتهم المختلفة ما دب فيّ الحماس ودفعني لتجسيد بورتريه لوجه تارقي ومن هذا المنطلق وقع اختياري على شخصية السيد “أسامة الثني” وهو شخصية معروفة يعمل في المجال الأهلي ويُعد سفيرا للصحراء في ليبيا.
وعن المعرض تضيف أن جميع اللوحات كانت متنوعة متداخلة بين عشق الحروفيات والبورتريهات والتراث والبيئة الريفية الليبية الساحرة والتجريدية، مما جعل كل الزوار ممتلئين بالفرح وسعيدين بنجاح المعرض ويعود الفضل للكادر الإداري ببيت اسكندر وشركة ليبيانا لرعايتهم هذا الحدث الرائع.
رؤى وآفاق
وفي مساء اليوم الثاني من فاعليات المعرض أقيم بفضاء حوش محمود بيّ ندوة حوارية بعنوان (الفن التشكيلي…رؤى وآفاق) شارك فهي احيائها ثلة من الفنانين التشكيليين من ليبيا وتونس وهم : “عمر الغدامسي” ، و”رمضان نصر”، و”وسام غرس الله” رئيس اتحاد التشكيليين التونسيين بالإضافة لمشاركة التشكيلي “القذافي الفاخري” الذي أدار مجريات الجلسة الحوارية وتطرق المشاركون بالندوة لعدة نقاط جوهرية هامة وحجم الإشكاليات التي يواجهها الفنانين التشكيليين سواء في ليبيا أو في تونس .
هُوية الفن والفنان
وأشار التشكيلي “عمر الغدامسي” إلى مسألة تنوع الهُوية لدى بيئة الفنان التشكيلي من خلال إحيائه للذاكرة والمحافظة على التراث، فالهُوية الذاتية للفنان تنعكس بجلاء على منتوجه الإبداعي بشكل عفوي وتقني والتخلص من الرواسب عبر لغة فنية شديدة الخصوصية كلوحة تحاكي التراث على سبيل المثال ومحاكاة كل ماهو متعلق بالمعمار الجميل كونه تنوع مطلوب جدا ويعبر عن الثراء، وأوضح بأن ما يُطرح في تونس وليبيا ومصر هي تقريبا ذات القضايا فهموم التشكيليين مشتركة لأن مسألة الهوية مطروحة بجدية وكذلك بناء الهوية المغايرة بأدوات الفن وهوية الفن قضية مطروحة أيضا، وأكد الغدامسي أن كل تجربة فنية في أي بلد تعيش هذا الزخم وهذه الروح والصراع الداخلي أو صراع الهوية.
هل المال ينصع الفن ؟
وشارك التشكيلي “وسام بن غرسة” بمداخلة لفت فيها إلى أن الإعتراف بالفن وبتجربة الفنان مهم والاعتراف لا يعني الاعتراف المادي فقط إنما الاعتراف المعنوي بالضرورة، وحول سؤال طرحه أحد الحاضرين هل المال يصنع الفن أم أن الفن يصنع المال ؟ أجاب هي تركيبة متداخلة يلتبس أحدهما بالآخر دون انفصال، مضيفا في تونس اليوم ثمة نقاش كبير جدا عن الفن المعاصر والفنون التشكيلية والبصرية وبعض هذه المصطلحات معتمدة الآن ذو مرجعية أنجلوسكسونية
وفي سياق متصل استطرد قائلا : أن النبض الذي يوجد من حولنا كالأم التي تسعد أطفالها وهي لم تذهب بعيدا إذ ذهبت نحو طين الأرض لكي تصنع شيئا يلبي حاجيات أطفالهم من اللهو واللعب، وقيمة اللعب هنا مهمة جدا في حياتنا ولعل الفن هو أكبر لعبة في هذا الصدد.
العمل التشكيلي برؤية معرفية
من جانب آخر قدم التشكيلي “رمضان نصر” حوصلة في ورقته راصدا ما يحدث على الساحة التشكيلية معتبرا أن الحالة الليبية في شمال إفريقيا حالة متفردة وخاصة لاسيما في التاريخ الحضاري والثقافي وانطلقت هذه الرؤية بغرس من الفنانين الأوائل من كان لهم سبق نتيجة محصلة للعديد من التجارب، وأشار أن هنالك جيل ليبي أثر وما نحن إلا نتاج هذا الجيل فتشربت ثقافتنا الفنية من خلال نتاجهم الفني والإبداعي ومتابعتنا ومعاصرتنا لهم وأردف أننا نلاحظة انتشار كبير للعمل الفني المعرفي الذي يشمل بناء رأس المال البشري بناءً معرفيا وجماليا ونقديا وحضوره في الحياة العامة والخاصة، وهذا الدور كان يجب أن يكون مناطا بالدولة ومؤسساتها وفق رؤية ثقافية، كما أفاد موضحا أن ثقافة البيع والشراء وثقافة الاقتناء مرهونة بازدهار الحالة الاقتصادية لكل دولة فضلا عن الاستقرار السياسي، وأضاف أن الثقافة المغاربية كانت تحت تأثير نتاج غربي فرنسي وثقافة المشرق كانت نتاج ثقافة أنجلوسكسونية وبقي الإرث الإبداعي الإنساني الإسلامي رهين التهميش تارة ورهين حالة من الإنبهار تارة أخرى بكل مكونات الفنون مما حدث بالتالي موجة من المسخ ونقل الصور المشوهة لأعمال ونتاج الآخر حيث تستقى ذات الفكرة وتُسقط على الواقع المحلي وأدى بها الأمر لعدم الاعتراف بها وغياب الحظوظ عن انتشارها.