النقد

قراءة في رواية (أراك في كل مكان) لـ”محمد التليسي”

رواية أراك في كل مكان لمحمد التليسي

> مميزات الرواية:

قرأت الرواية وهي بشكل عام رواية جيدة فيها مواقع قوة تدل على قدرة مميزة لدى الكاتب ومن أماكن قوتها ما يلي:

– أولا/ لغة الكاتب التصويرية مميزة وهو قادر على الوصف بشكل جيد ويعد التصوير في الرواية مميزا إلى حد كبير، وكان الوصف مميز في كثير من اللحظات ومناسب للحظة السردية ومعبر عن الموقف ويمثل إضافة جيدة للسرد.

– ثانيا/ قدرة الكاتب على تفعيل عواطف وآلام الشخصيات وعلى رفع نسق الدراما السردية ثم خفضها كانت مميزة فكنان ننتقل مع الشخصية (عمر) في تحولاته المتأرجحة هنا وهناك وهو يتحول من هذا الحد إلى آخر.

– ثالثا/ قدرة الكاتب على بناء حكاية متوازنة أيديولوجيا مميزة، فقد جعل من أخ الشخصية الرئيسية شهيدا، ثم أنتقد كثير مما يقوم به الثوّار وهو يحقق توازن في الرؤية وفي الموقف الكلي.

– رابعا/ البعد المجتمعي للمنطقة أو للمكان الذي تتحرك فيه الشخصيات كان مميزا وكانت الجغرافيا والتاريخ الخاصة بتلك المنطقة حاضرة بقوة وتميز، حيث تابعنا كل ما يخص منطقة لييج تاريخيا وثقافيا وحياة السكان هناك ومكونات المكان الفضائية والاجتماعية وطبيعة السكان في مدينة لييج بشكل خاص وفي عموم بلجيكا، كما تابعنا بعض من طقوس حياة المغاربة من خلال الشخصيات المغاربية في النص. ذلك كله كان يتم بشكل طيب دون أن نشعر بنشاز أو بسوء تصوير في أي عنصر من العناصر السابقة، من زاوية أخرى ثقافية -أيضا – كنا نتابع معلومات مختلفة عن علاج المرضى وعن علم الفضاء وعن الدراسة في الدول الغربية وعن طقوس الاحتفال والأطعمة وطريقة الاحتفال وغيرها.

– خامسا/ طرح الكاتب من خلال النص (عبر شخصيته) رؤية في الحياة والموت مواقف من العلاقات بين الشرق والغرب وعبر بذلك عن تقييمه الخاص لهذه العلاقات وطبيعة التباين بين الشعوب ولعل في بعض هذه الحوارات المطلوبة ما أثقل النص قليلا في بعض المواضع حين كانت الرواية تتحول لمدونة نقاش فكري دون أن يكون هناك ساند من فعل درامي. مناقشات مطولة حول التاريخ والفوارق بين الثقافات وعبر الكاتب من خلال شخصياته المختلفة عن رؤيته وموقفه من قضايا مختلفة تعد مهمة ضمن الصراع أو التبادل الثقافي والمجتمعي وكان متوازنا في تشخيص الموقف داخل ليبيا.

– سادسا/ اشتغال الراوي في الرواية كان مميزا وكان قادرا في مواضع كثيرة على تحريك المروي له ومخاطبته بشكل مباشر وهذا يدل على حذق أو وعي فني لدى الكاتب سنتابع مثالا عن ذلك عند تحليل أحد المقاطع النصية المميزة.

– سابعا/ بخصوص بعض الصدف في الرواية: على الرغم من بعض الصدف التي كانت تغير المواقف في الرواية إلا أنها كانت منطقية وكان الراوي باستمرار يحاجج المروي له ليقنعه بأن ما حدث من صدفة هو أمر منطقي ومن تلك الصدف:

1. صدفة كون السيدة هيام مصابة بورم في رأسها وهو ما جعل الأحداث تتخذ بعدا دراميا مختلفا عن سابق الرواية.

2. صدفة كون الكتاب الذي اهداه عمر للسيدة كان من بيتها ويدل على تدخل الأخ الشهيد في تعذيب والدها وهي صدفة بعيدة التحقق ولكن حاول الراوي قدر المستطاع أن يتخلص من المباشرة فيها من خلال حجاجه من جهة ومن خلال التركيز على البعد الدرامي المصاحب للأحداث التالية.

3. صدفة اللقاء بالسيدة الليبية شبيهة هيام في المطعم نفسه وتدخلها لصالح العلاقة بينهما. ولعل ما خفف من وطأة تلك الصدفة انهماك الراوي في تصوير التأرجح في العلاقة بين عمر الشاب والسيدة الشبيهة بصاحبته القديمة.

> تحليل مقطع نصي لإبراز ما فيه من تقنيات سردية:

سنقوم بتحليل مقطع نصي كان فيه الشخصية الرئيسية عمر يعيش توترا وهو يذهب صباحا إلى عمله متوقعا الطرد من صاحب المطعم، فكان الراوي يستخدم تقنيات سردية مختلفة وهو يصور ذهاب الشباب (الأربعة) للعمل ذلك الصباح، مستخدما التأطير الزماني والمكاني، والسرد باسم الجماعة، والسرد التواتري كما استخدم اساليب سردية مختلفة كان دورها حجاجيا لإقناع القارئ. وهي بدون شك من عناصر قوة الرواية…

التأطير كان مميزا حيث كان الراوي في أماكن كثيرة يقدم الحدث مؤطرا بحدوده الزمانية والمكانية، ولعله من الامثلة على ذلك هذا المقطع الصغير: “يومذاك (تأطير زمني بتحديد اليوم) خرجنا من الشقة (تحديد مكان الخروج) أربعتنا (تحديد الشخصيات والتأكيد على استمرار وديمومة ذهابها معا)، كنا في طريقنا إل المطعم نركب الباص، وقد مضت ثلاث دقائق من العشرة التي كنا نستغرقها في الوصول إلى المطعم كل يوم (سرد تواتر فعل الذهاب غلى المطعم كل يوم في عشر دقائق).

أيضا كان الراوي يسرد بضمير معبر عن متكلمين أو بصوت الجماعة وهذا نوع من السرد التقني المميز. من جهة أخرى هناك تعبير عن احتماء الشخصية بغيره من الشخصيات ضد صاحب العمل الذي ينتظر أن يطرده، لاحظ التصوير بعد أن وصلوا إلى المطعم: وصلنا (تحديد الشخصيات) المطعم (تأطير بذكر المكان) قبل الوقت المعتاد (سرد تواتري) بخمس دقائق (تأطير بمحدد زمني).

لنلاحظ هنا اساليب سردية مميزة ضمن حجاج الراوي بخصوص الفكرة: “يبدو (سرد عدم التأكد) أنه أشترى طاولات وكراسي جدد استعداد لعطلة عيد الفصح، فمن المعروف (سرد ما هو معروف لتأكيد ذلك وإخلاء المسئولية عن ذلك) أن المطاعم تمتلئ في مثل هذه المناسبات وتحقق إيرادات جيدة.، طلب منا نحن الأربعة (تحديد الشخصيات والحديث باسمهم) مساعدة الشباب بعد أن رد علينا (تحديد الشخصيات) السلام” مقطع صفحة 33.

الرواية في مجملها جيدة بل مميزة وإن كان هناك بعض النقاط التي يجب الانتباه لها في المستقبل“.

مقالات ذات علاقة

السخرية وذاكرة الجدران في «سجنيات»

عبدالسلام الفقهي

“مجوس” إبراهيم الكوني.. في البدء كانت الصحراء

المشرف العام

العروسة.. المصرية

نورالدين خليفة النمر

اترك تعليق