الكتابة نوع راق من التعبير عن الواقع بمهارة وادوات.. لكنها في نفس الوقت تمثل مجموع الادوات الناجحة في شمولية مفادها المفهوم وجمالية الطرح تماشيا مع “بريشت” ونظريته التي تقول (يبدو كل شيء بمظهر غير عادى وفى ضوء جديد بحيث يثير في المشاهد نزعته الى الانتقاد حتى إذا كان الامر يتعلق بمسائل كانت تؤخذ من قبل قضايا مسلما به).
وفن الكتابة في واقعه ليس في متناول الجميع.. خاصة حين يكون هذا الفن في اقتراب للتصوير بأدوات غير اعتيادية.. ونجاح لدلالة بسلامة المكان والبيئة وتألفها مع الفكر والابداع.
وحين اكتمال هذه المعطيات وتألفها مع صدق الهدف من عملية الابداع والثقافة الراقية المبنية على اسس صحيحة فأن ذلك بالضرورة سيكون النتاج الناجح لولادة النص وهذا ما نجده جليا في العديد من نتاج بعض من الادباء ومنهم: د. عبد الجواد عباس، ود. الصديق بودوارة، والاستاذ احمد يوسف عقيلة، وهو ما كان من معطى لإثراء في ميادين الثقافة الليبية والعربية.
ان لعملية الابداع روافد دافعة ومستمدة من التجارب الانسانية المعاشة وان كانت مهارة المبدع في صياغة الاحداث وان كانت اعتيادية في قالب قصصي قادر على الصمود والبقاء ولنا في الأديب عباس محمود العقاد هذه الهامة الادبية الكبير مثلا فحين عجز عن تحقق مبتغاه بالزواج من الكاتبة اللبنانية مي زيادة.. كانت قصته الخالدة (سارة) وغيره الكثير.
هذه المعطيات ربما كان نوع من الاستهلال لتقديم قصة قصيرة بعنوان {العرافة} للدكتور القاص/ الناجي الحربي التي نقرأ فيها:
(كانت عمتي ”سرايا” جارتنا القادمة من الجنوب.. تقرأ الطالع وتتنبأ بالمستقبل مقابل خمسة قروش.. وأحيانًا من دون.. ذات يوم صائف.. قال لي شيطاني: جرّب حظك.. دخلت براكتها المظلمة.. كانت رائحة البخور أول المستقبلين لأنفي.. جلست أمامها.. ابتسمت بدهاء.. قالت: أنت تحب.. شعرت بسعادة غامرة كما لو أني ديك رومي.. أغمضت عينيها وبقشعريرة مفتعلة قالت: الخير.. كل الخير ينتظرك.. لن تغيب شمس اليوم قبل أن تسمع خبرًا طيبًا.. أردفت قائلة: ستحمل كيسًا ثقيلًا على ظهرك.. لعله ذهبًا أو مالًا كثيرًا.. أحسست أنني مثل طائر يحلق في السماء.. خرجت.. وما أن وضعت قدمي على حافة الطريق حتى وجدت أبي وبيده حزامه العسكري.. في المساء وقبل أن تغيب الشمس كانت أمي تضع كمادات باردة على مؤخرتي لتخفف عني الألم الذي تركه حزام والدي.. كانت لسعات موجعة.. لكنها ليست كثقل كيس المال!!).