– “يا باتي يا باتي نصراني دايخ يالا البير، نصراني دايخ يالا البير.
– معاه بندقة؟
– لا يا باتي معاه زمّارة سمعت زعيقها قبل مانوصل البير.
ان شاء الله خير ياخويرة، جيبي الحصان و خلي خوتك يلحقوني”.
في مشهد البداية هذا ينفخ كارل في بوقه نفخةً أخيرة باحثاً عن نجدة تنقذه من هول المشهد لتكون هذه الصرخة هي سبب تواجده في مكان آخر و زمن آخر متعايشاً مع أناس آخرين ، و بعد تتابع الأحداث يكون صوت بوقه في النهاية الصوت الأخير الذي يسمعه من شخص آخر.
“للراعية موهبة عظيمة في الموسيقى، استوعبت كل دروس معلمها، العلمية و النظرية.
واصلت العزف من جديد، عزفت هذه المرة ألحاناً من عندها لم تكن كلارا قد سمعتها من قبل، لا تدري من المؤلف؟ كارل أم الراعية أم كلاهما؟ موسيقى كأنها بشر بداخل بعضهم بعضا، موسيقى كأنها حضن نغم فسيح، موسيقى تشتعل في الذاكرة و لا تتبدد في العدم”.
لوحة الغلاف للفنان عدنان معيتيق تستوقف القارئ و كأن القارئ نفسه هو من ينفخ في البوق.
طالع أيضا: رواية «بوق»: السرد بوصفه إدانة…
بأسلوب بسيط بعيد عن التركيبات و التعقيدات يسرد الكاتب رحلة كارل من ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثالثة إلى شمال إفريقيا وبالتحديد شرق ليبيا ليبدأ حياة جديدة طوّع كل ما حوله للتأقلم معها.
حكايات بسيطة ربطها الكاتب مع بعضها لتنتج لنا هذا العمل، بين شوارع ليون و موسيقاها المتنوعة إلى صوت زمارة في أحد كهوف طبرق إلى إيقاع صوت المطر و تتابع كثيرا من التفاصيل في بيئة هادئة تضج بالحياة.
استخدم الكاتب بعض الحوارات بالعامية و أجد أنها تماشت مع بقية النص و لم تخل به.
طريقة الهوامش في أسفل الصفحات تسهل على القارئ الرجوع السريع إليها وهي طريقة أفضلها شخصياً عن الهوامش في آخر الكتاب.
استخدم الكاتب أسماء شخصيات تتماشى مع البيئة و ألبسها ميزات تختلف كل واحدة عن الأخرى.
يلاحظ القارئ تداخل في شخصيات بعض النصوص اقصد هنا الراوي للحدث صفحتي 61 و 62 كمثال شعرت بربكة و أنا أخمن من المتحدث فيها.
من بداية الرواية حتى نهايتها نتابع حياة كارل في ليبيا لعشر سنوات تقريبا و كيف جعل من بوقه أداة حب وسلام بعد أن كان واعزاً لبداية معركة و انذار هجوم الجيش.
طالع أيضا: صاحب البوق الألماني يعزف المزمار…
ينتقل البوق عبر محطات مختلفة وتتلقفه أيدي كثيرة و لكنه في النهاية يكون من نصيب الراعية البسيطة التي عاشت حياتها صحبة كارل و قدمت له ما عجز عن الحصول عليه في بلده.
يعيش كارل كأحد أبناء القبيلة يشاركهم حياتهم ويرفض العودة لبلاده بعد انتهاء الحرب، يشاء القدر أن يساهم مع كلارا و البقية في بناء المقبرة الالمانية في طبرق يعيش معهم تفاصيل الحدث ثم يكون جسده في النهاية المكمل للعدد فيها.
الشيخ مفتاح وخويرة منقذة كارل عند البئر كانت ستكون إحدى قصصه غير أن العرف القبلي كان صارماً، الراعية و الحاجة صابرة و البقية ساهموا كثيرا في حياة كارل.
الرواية جميلة وتستحق القراءة…