قصة توجس تتناول حكاية رجل يعاني رهابا أمنيا وتوجسا من رجال الأمن في دولة قمعية، حيث تعالج قضية معاناة الإنسان المثقف المهدد بالسجن والمطاردة من المخابرات السريّة.
إذا بدأنا من بنية العنوان نجده يتكون من كلمة واحدة مختصرة عُنون به النص، وأوحى بدلالاته المضمرة وهي: الريبة والشك، التخوف، الخشية، الإحساس الداخلي بأن شيئا ما سوف يحدث .
تبدأ الحكاية من بنية سردية على لسان راو بضمير المتكلم التي تدخلنا مباشرة في بنية الحدث (كنت سائرا في أمان الله سارحا في ملكوته) الجملة المفتاحية بالفعل الماضي (كنت) تدل على بداية الحدث واستمراره. أما الملفوظ السردي للفاتحة السردية (سائرا في أمان الله) ينبيء عن وقوع ما يفسد هذا الأمان ويحيل إلى وقوع ما لا تحمد عقباه، ويسبب معاناة السارد من خلال حادثة اصطدامه برجل أصلع يلبس نظارة سوداء، وهو توصيف يحيل إلى رجل الأمن السريّ.
البداية من حادثة الاصطدام التي كانت عن طريق الصدفة، تلك الصدفة تكررت في تسلسل الأحداث وتطورها، وتداعياتها في بنية الصراع.
بنية الصراع والحبكة
تتكون البنية السردية من الفاتحة السردية التي تحيل إلى موضوع القصة ومن مشهد رئيس يضعنا مباشرة أمام قضية معاناة الإنسان المثقف في مطاردة رجال الأمن السرية.
كل البرامج السردية تصب في دلالة الحس الأمني وحس المراقبة، من المشهد الأول وتداعياته نلاحظ تسلسل الحكاية التي تصب في دلالة التوجس التي تعيشها الشخصية وهي: الرجل المثقف والسياسي المطارد من المخابرات السريّة، تكرار وضعية الجلوس وظهره إلى الجدار، قراءة جريدة إخبارية وتتبع أخبار السياسة والمخابرات العالمية، وجود رجل اصلع يلبس نظارة سوداء في كل المشاهد .
انبنى النص على حدث واحد تكرر في كل المشاهد بتداعيات مختلفة، حالة الصراع تمثلت في صراع الشخصية مع ذاتها وإحساسها بالتوجس والخوف ، فكل البرامج السردية والأحداث وتسلسلها صبت في تحركات الشخصية وتصرفاتها وشعورها بالخوف والريبة والشك وسعيها لتحقيق هدفها في التخلص من المطاردة الأمنية في مواقف متكررة مما يشي بوضعية السارد النفسية وتوهمها بالمطاردة الأمنية.
تنتهي القصة بمفارقة دلالية كسرت أفق التوقع في تسلسل السرد وتداعياته حيث يفاجئنا الكاتب بأن الرجل الأصلع صاحب النظارة السوداء هو الذي يتوسل للسارد بأن يتركه وشأنه، لأنه لم يفعل شيئا، وله أبناء .
نهاية جيدة تبين الكابوس المزعج الذي يعيشه الناس في الدول القمعية ، يعيش الناس بين خيارات الخوف والتوجس والشك والريبة وهي حالة عامة تطال الجميع، دلالة التوجس والريبة هي التي تحكم تيمة النص أما فيما يتعلق بتقنيات الحكي نجد أن الكاتب أجاد التناوب بين بنيتي الحدث والوصف، الذي خلق توازنا بينهما في عملية السرد، فبنية الحدث من خلال أفعال الحركة وتسارعها أعطت صورة حية نابضة للسرد بينما في بعض مفاصل السرد نجد أن بنية الوصف عملت على إبطاء سرعة الحكي من خلال الصورة البصرية الواصفة، التداخل بين السردي والوصفي أضفى على الحكي صفة التجسيد الخاصة بالوصف فجعله حيويا وأضفى على الوصف صفة الحركة التي يمتاز بها الحكي، التلاعب بين البنيتين جاء بشكل احترافي جعل الصورة حركية أقرب إلى التصوير السينمائي منها إلى التصوير الثابت وهو ما أكد على تيمة التوتر والقلق والتوجس التي تحكم النص.