الطيوب
في إطار المناشط الثقافية والفنية التي ينظمها صالون هدى العبيدي الأدبي الثقافي أقيم مساء يوم الأربعاء الموافق 5 مايو 2021م في مركز (M.A.Y.A) للتدريب والإستشارات بالتعاون مع مكتب شؤون الفتاة المغاربية بطرابلس أمسية فنية بعنوان (مسيرة الفن في ليبيا) أدارتها وقدمتها الإعلامية “هاجر الطيّار” وذلك بمشاركة الفنان “فرج الشريف“وسط حضور لفيف من المبدعين والمثقفين والمهتمين.
جذور ومحطات الموسيقى
وقد رصد الشريف من خلال طرحه عدة محطات في تاريخ الأغنية والموسيقى الليبية عبر مراحل مختصرة بدءًا من الهجرات الأمازيغية الأولى لشمال إفريقيا وما تبعها من دخول لبعض الآلات الموسيقية كالصاج والقانون واللورا ما ساهم في وضع اللبنات الأولى للفنون في ليبيا ومع دخول الفتوحات الإسلامية لإفريقيا ذاع صيت ألوان معينة من الأغاني والموسيقى المسمى وقتذاك بالأصواف المتشاركة بمعنى الكلمة أو المقطع المشترك إضافة لنوع الغناء (اللالي) الذي تشتهر به مدينة طرابلس الغرب وهو لون غنائي تعود جذوره لجنوب الصحراء في ليبيا والجزائر والسودان، إذ كان هذا اللون يُغنى بواسطة مجاميع تُقابل بعضها البعض مع إدخال الإدغام نظرًا لما امتاز به المجتمع وقتذاك من الحياء والحشمة حسب ما ذكره الشريف، وتطرق في المقابل إلى زيارة الموسيقي الشهير “زرياب” لطرابلس في القرن الثامن ومكوثه لفترة طويلة من الزمن ودوره في استحداث الكثير من النغمات وطرائق العزف الجديدة ودور الفنان مؤنس البغدادي ومساهمته في استحداث فن الرقائق إبّان القرن التاسع الميلادي وهذا الفن هو لون غنائي يسمى (الإدكار) يرافقه إيقاع محسوس يختلف عن الإيقاع المسموع.
كما عرّج على ثلاثة عوامل كان له بالغ الأثر في مسيرة الأغنية الليبية إبّان القرن الحادي عشر أولها هجرات قبائل بني هلال وبني سليم واستيطانهم لشمال إفريقيا وعنهم أخذ السكان المحليين الغناء البدوي مثل غناء الملزومة أو ما يُعرف بغناء (البورجيلة) أو القصيم وهو نوع غنائي تتداخل فيه حروف النون وهي مضغ الكلمات من منطلق الخفر والحياء، وأضاف بأن للهلاليين فضل في فصاحة الكلمة في الأغنية وادخال الشعرية فيها ذات الأوزان، وأيضًا تطرق لدور الفيلسوف الموسيقي “أميّة بن عبد العزيز بن أبي سلمى” في وجود التواشيح والمألوف والغناء الأندلسي ما خلق ثورة في فن التنغيم لاحقًا.
العصر الثالث للأغنية الليبية
وفي سياق متصل تحدث الفنان الشريف عن العصر الثالث للأغنية الليبية وتحديدًا عام 1613 عام سقوط الأندلس وما أعقب ذلك من طرد لأهلها واستقرارهم في مدينتيّ طرابلس ودرنة وما جاءوا به من فنون وصناعات وأنغامهم وأساليبهم ليتمزج كل هذا بروح الفن الليبي ليولد بالتالي الكثير من الملحنين والمنشدين اللذين كانوا يحملون لقب (الشيخ) للمآخذ التي كانت توجه للعمل الفني أوان ذاك الزمن فكان كل مطرب يمتهن الغناء يُلقب بالـ(الشيخ).
تأثير الفن في الوعي الجمعي
وعن مدى تأثير الموسيقى لدى الثقافة المجتمعية الليبية يردف الشريف بأن الأمهات كنّ يهدهدن أطفالهن بالمأثورات والأغاني التراثية ليناموا واستشهد في معرض طرحه ببعض هذه الأغنيات وارتباط الفن الغنائي بالكثير من الطقوس والتقاليد الاحتفائية مثل يوم عاشوراء…. من جهة أخرى تناول بروز دور عبد الله جمال الميلادي وأبناء ظافر المدني وتأسيسهم لصالون ثقافي، وركز على أهمية دور الفنان “بشير فهمي فحيمة” وتبنيه لألوان غنائية مناهضة للإحتلال ونفيه في تلك المرحلة لتونس وأكد على مسألة ، تطويره للغناء في تونس، وصولاً للدور الذي لعبه الراحل “محمد حقيق” ويعد أحد الأعضاء المؤسسين لفرقة الفنون الشعبية وإقامته لصىالون ثقافي ونتاجه الفني والإبداعي في ذاكرة الفن الليبي.
ثم أعقب ذلك وصلة موسيقية وغنائية قادتها فرقة مجموعة أنفاس للمحافظة على التراث حيث تغنت بباقة مختارة ومتنوعة من الأغاني الليبية القديمة لكبار المطربين والملحنين وسط تفاعل بهيج من الحضور.
في ختام الأمسية منح المركز شهادات تكريم وتقدير لمجموعة من طلبة اللذين أتموا الدورة التدريبية في مجاليّ السكرتارية وإدارة الاجتماعات وأيضًا تكريم الفنان “فرج الشريف” وأعضاء فرقة مجموعة أنفاس للمحافظة على التراث.