النقد

نظريات تطلب فخاخها .. (قراءة في قصيدة”ايدلوجيا أنثى” للشاعرة سعاد سالم)

سامي البدري/ روائي وناقد عراقي

الشاعرة الليبية سعاد سالم
الشاعرة الليبية سعاد سالم

بعيدا عن المقصد السياسي لمصطلح ايدلوجيا، فإن أيدلوجيا الأنوثة تعني بحث أحلام الأنثى عن فخاخها، فخاخ إنهمارها وسيلانها في شعاب الصبر، وتربصها بتلك الفخاخ.. وبصياغة أقرب لمواربات الأنوثة، هي نظريات وإنتظار مماحكة لتعب الحلم وسقوطه في حضن الوهم الضروري.

هل يطلب حلم الأنثى لحظة للتراجع خطوة خلف ستار الوهم الأبيض؟

هذه ليست عملية سطو على ذاكرة الأنثى والأنوثة، بل هي عملية توصيف تفريغي لبعض مكتسباتها التاريخية وأعبائها الملحقة بجنسيتها الإجتماعية، كما تقترح الشاعرة، سعاد سالم في (أيدلوجيتها) التي ترسم لنا هنا.. هل يجوز لنا – في هذه المرحلة من الطلب – بتوصيفها كمقاربة للإمساك بالذات متلبسة بمحاولة تفريغها السرية من أعباء لجاجات الإفتراضات؟

ليس من (أيدلوجيا أنثوية) تنكر جدلها مع لجاجاتها في كل الأحوال، كما تقول شاعرتنا سعاد هنا، وهي تحثنا للإقتراب أو مقاربة مقترحها (الايدلوجي) في هذه المساحة من المكاشفة مع ايقونية الذات، رغم سيادة المناهضة في خطاب هذه المكاشفة..

اهنأ

ما من حلم هنا

من آخرها

هربت البارحة

تسربت في شكل دمعة

سحت ساخنة… وإنتهت

ورغم نبرة الشكوى في الخطاب هنا، إلا أن مراحات التخفف من أعباء التاريخي تفترش مساحات محتملة، وبسعة الفراغ الذي خلفه إنكسار الحلم وإنحسار لغة لجاجته.

ومثلك يعرف..

أن الحلم يسقط

شكلما

حلوى غزل البنات

هكذا

فوق شفتي وألعقه

هل يسقط حلم الأنثى فعلا، وما الذي يسقطه، وفي أي من زوايا الذاكرة يسقط، وخارج أي من أسيجة الرغبة؟ الشاعرة سعاد سالم تشبه سقوطه بسقوط حلوى غزل البنات وحلوى غزل البنات من خيوط السكر التي سرعان ما تذوب في الفم وتترك مذاقها الحلو على لسانه وفي زواياه وزوايا (ذاكرة ذائقته)… فهل ينطبق مثل هذا التبدد للحلم على كل أنثى أم هو فعلا (أيدلوجيا) أنثى بعينها (أنثى الذات الشاعرة) وقالب تعاطيها معه لوحدها، لأنها، وفي عرف أيدلوجيتها، وإن تحول إلى حصوات تهز سكون الجسد؟ إذن سقوط الحلم لا يتعلق بموت فرص إستيفائه أنما بتبدد مساحة حضوره كذاكرة بديلة تحمل الأمل وتجادل على أن يبلغ هديه محله، بالمقصد الكنائي للإستعارة.

بالجحيم تمنيت هيجل

وباقي سلالة الجدل

ما نفخوا في رأسي

وما سجدت لي تلال نار ولا جليد

تأكل العمر دونما تفاصيل وصدف

في زمن الماعز

يقتات الحماسات الكبيرة

إذن أيدلوجيا هذه الأنثى تطلب مرجعياتها؛ ولعل أول هذه المرجعيات هو المبنى السياسي، والذي يصبح حواره أو البحث في تفاصيل مآخذه جدلا في زمن سيادة المقولة الواحدة اللاغية لماعداها، جدل ينهض رغم إنحسار أفقه، بسبب تعكزات التأريخي وفرضها لمقولة الوجه الواحد، بمبنى سياسي أحادي الوجهة، تركن وتتجاوز كل ما عداها وتخلفها كحصوات لا منفذ في جسدها لأي من سلالات اللغة… التي ترمم الخرابات… خراب أحلام الأنثى، بذاتها هنا، وبمقصد لغة القصيدة لدي سعاد سالم: ماذا يرمم خراباتب؟ وهو سؤال الذات هنا بكل مرجعياته وبناه وجدله، وهذا ما يؤكده هذا النسيج الايدلوجي بخصوصية لغته الشعرية في المقطع اللاحق من النص..

لا طريق يفضي إلي

ومشواري بلا خطى

هو سبيل من سحابات تتصادم

وسحابات تتناسل من سحابات

ربما، رغبت لمرة

أتقمص حلما

ينتهي بالتحقق

وهذا لا يعني يأسا بل إعلان إحتجاج بقبضة مضمومة ضد التأريخي.. ضد البنى السياسية.. وضد القدر، دفاعا عن الخطى المصادرة من المشوار وعن الطريق الذي يجب أن يحتوي تلك الخطى ليقودها إلى مراحات الحلم التي لا يجب أن تنتهي كنهاية حلوى غزل البنات: بلعقة آثمة.

هل كانت هذه تنظيرات لإيدلوجيا أنثى تبحث عن فخاخها؟ من صادر فخاخها… بل صادر ذواتها قبلها ولصالح من؟

هل لحلوى غزل البنات من طعم خارج حدود حلم لحظتها، على أقل تقدير؟ من سيمنحنا لحظة الحلم هذه كي لا تتحول حلوى غزل البنات إلى حصوات؟

مقالات ذات علاقة

بيت الدُمية

نورالدين خليفة النمر

الروائي الليبي “إبراهيم الكُوني”.. في رواية (التِّبْر)

المشرف العام

“شجرة القلائد” لمحمّد الأصفر: رواية بنفَس مغاربي

المشرف العام

اترك تعليق