1
الكتابة خلق وصناعة ولها معاييرها وقيمها الأخلاقية أولا ثم تأتي معاييرها الصناعية من فن ولغة بما تحمل من بديع الصور، ومن تكرار القول أن لكل كاتب كتابته ولكل كتابة أسئلتها ولكل سؤال مكانه وزمانه ولكل سؤال أسبابه، هكذا تمتلك الكتابة حقيقتها الكتابية والتي هي تختلف عن أي حقيقة أخرى لأي كاتب آخر لأن الكتابات لا تتشابه وإن تشابه البشر، مهما خيل إليك من تشابه بين كاتبين أو أكثر إنما هو تضليل فني أو لغوي أو كليهما، هنا نصل إلى السؤال الذي لا بد منه: لمن يكتب الكاتب؟
هنا لا تصدق الذي يقول أنه يكتب لكل الناس، لأن هذا قول أخرق أو فوضوي لأنه يعني أن قائله ليس في قلبه أو عقله أسئلة، صحيح أن هناك كتابا شغلهم سؤال الحرية فكتبوا عن الظلم والمظلومين جميعا وفي كل مجتمع مستعبد لكن هذا خارج سياق حديثنا عن الكتابة وما نكتب ولماذا نكتب، وهنا نسأل هل يكفي أن تكون عبقريا في فنية الكتابة لتكون حقيقيا ولك شهرتك؟
أنا أعرف كتابا كثيرين امتلكوا لغة فائقة في سحرها ومع ذلك لم تتحقق لهم سمعة حتى بين الذين يقولون أنهم يكتبون إليهم، هنا عليك أن تبحث عن سبب جمود كاتب ما، لأن كل شيء يبدأ بكينونة السؤال وحدود السؤال ولغة السؤال ومضمون السؤال وعلى سبيل المثال فقط، وهذا ما كان مني ذات يوم بعيد، فقد كتبت عن الحرية الغائبة كثيرا لكن تعبيري عنها لم يكن له صدى عند الذين داستهم العقب الحديدية، ثم اكتشفت أن لغتي لم تكن على ما يرام وقد قاسيت المرارة حتى استطعت أن أتحرر منها وكان هذا عندما بدأت مشروعي في الطفولة في منتصف سبعينيات القرن الماضي، الطفولة هي التي علمتني الكتابة بلغة تنساب دون ضجيج.