طيوب عربية

بيت النخيل.. بيت الدفء والحنين

رواية بيت النخيل


د. طارق الطيب: من مواليد القاهرة، درس فلسفة الاقتصاد في فيينا، واختار الحياة فيها، ويقوم بالتدريس في ثلاث من جامعاتها، له مسيرة حافلة بالإنجازات العلمية والأدبية لا يتسع هذا المقال لسردها جميعاً؛ لذا فسأسرد بعضها باختصار شديد: شارك في كثير من الملتقيات والمهرجانات الأدبية في مختلف بقاع العالم، وحصل على عدد من المنح والجوائز، حصل على وسام الجمهورية النمساوية تقديراً لأعماله الأدبية وتواصله الأدبي في الداخل والخارج، إضافة إلى منح وجوائز أخرى، له أكثر من ستة عشر إصداراً، بين الرواية والمجموعة القصصية، والشعر، والمسرحية، والمقالة، والسيرة الذاتية، ترجم له في أكثر من عشرين لغة.

بعد كل هذه السيرة الكبيرة كتب في إهدائه:” إلى زميلتي ….” تواضع يؤكد قيمته الأدبية والثقافية، ويشعرني بأنه أكبر من كل سيرة، هذا التواضع يقترن به حتى في نوع ملابسه التي يرتديها، في نقاشاته، وفي نظارته الطبية التي تكاد لا تفارق أرنبة أنفه، كأنه في حالة نفير عام للقراءة، كأنه جندي، وكأنها سلاحه، ليست سلاحه الوحيد، فالقلم كذلك يكاد لا يفارق أصابعه، إما خاطاً على البياض، أو مسترخياً بين أصابعه وهي تلاعبه وتمسده وتعده للركض على الورق من جديد، الكميرا أيضاً كانت رفيقاً ثالثاً يوثق لحظاته مع (أورسلا) زوجته وحبيبته التي يعبر عن حبها –بوعي أو بدونه-  في كل حركة يقوم بها، أو كلمة ينطقها، أو نظرة تفلت من متابعة الكلام على الورق، أمتلء ييناً بأن عقله دائم التفكير والإنجاز، بينما قلبه دائم الشوق لأورسلا.

تواضعه أيضاً يقطر من كلماته للناس ومعاملته معهم، لم يفتخر بشهاداته، أو إنجازاته، أو حتى حياته في فيينا، كان ينادي زوجي بـ (أخي) فقط لأن والد كليهما يحمل اسم (الطيب).

 أهداني كتابين من كتبه، بيت النخيل (رواية)، الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء (مجموعة قصصية)، أتاحت لي (كورونا) وحجرها أن أعيد قراءة (بيت النخيل)، قرأتها وكأنني أقرأها للمرة الأولى، كانت كريمة، وجادت عليّ بكل الأحاسيس التي قرأتها بها وأنا ما أزال في السودان وأكثر، وتسألت: كيف لي أن أعبر عن شكري وامتناني لهداياه الرائعة؟، قررت أن أكتب انطباعاتي وشعوري، وأسجل دعوة لمحبي القراءة إلى السعي لقراءة كتابات (طارق الطيب) ونيل ما راودني من دهشة ومتعة أثناء القراءة، وإضافة أفكار وكلمات هذه القامة إلى مخزونهم الفكري والثقافي.

من فوق منصة قراري ذاك رأيت (بيت النخيل) بيتٌ للدفء والحنين، بيت يجمع الألم واللذة، وما بين الحزن والفرح، وبين اليأس والأمل.

(بيت النخيل) رواية مضت  بسردٍ هاديء هو جزء من طبيعة (طارق الطيب) وشخصيته، فكأني حين كنتُ أقرأ الرواية أسمعه بصوته الرخيم الهادئي، وهو يجبرني بثباته وقوته على الانصات.

بيت النخيل كانت حكاية عجزنا عن الحياة في وطن نعشقه حد الموت، والألم الذي يلازمنا في صورة حنين قاتل حين نقرر مغادرة الوطن، فلا نحن عشنا فيه، ولا استطعنا الحياة بعيداً عنه، ثم محاولة الوقوف على أسباب هذا الشتات، والتطرق إلى الصراعات الإيديولجية والعرقية، وتعرية السلطة التي يتوارث طغاتها الدكتاتورية عبر مؤسسات كان من المفترض أنها قامت من أجل الطبقات المسحوقة، كان من المفترض لها أن تشع الطمأنينة والأمان، وتوطنهما في قلوب العامة والبسطاء، غير أنها صارت على يد غيلان السلطة مصدر للرعب والرغبة –حد الموت- في الموت.

(بيت النخيل) رواية عالية التقنية، يتداخل فيها الماضي والحاضر، ومزدحمة بالجمالية، مع رؤيا عميقة للتاريخ والسياسة.

بيت النخيل، إضافة جميلة وثرية لمدخراتي الثقافية، سأظلُ أشكر صاحبها عليها إلى الأبد، مع أمنياتي له بمزيد من الإنجاز والتميز.

مقالات ذات علاقة

بلد الرجال؟

المشرف العام

مراجعة رواية تربة الزعفران

المشرف العام

قاسم إسطنبولي يطلق أسبوع الفيلم السوداني في المسرح الوطني اللبناني

المشرف العام

اترك تعليق