المقالة

قلبك دقيقة لو سمحت

من أعمال المصور أسامة محمد
من أعمال المصور أسامة محمد

إنه قلبي الذي لا أشعر أنني أملكه، فالكل يريده ويعتقد أنه من حقه، وأنا بدوري لا أرفض، وأمنحه بسخاء، لا أدخر من مشاعره شيئا، لا أكسر خاطر أحد اشتهاه، كل من يقصده لنفحة ما أستسلم له ولا أقاومه، أتركه يقوده إلى حيث يريد، وبعد أن يقضي وطره منه و يتركه، يعود إلي بين أضلعي سعيدا، وبالطبع لا يبقى طويلا في داخلي، آخر يأتي ملهوفا ويستأذن في أخذه وأمنحه له بالطبع راضيا، وإن لم يكن ممتلئا بالحب كفاية أقول له اصبر قليلا يا حبيبي حتى يمتليء من جديد إلى فمه، فليس من عادتي منح قلبي فارغا، في أمور القلب لابد وأن أكون كريما جدا جدا.

لم أتمتع للأسف بقلبي طيلة سني حياتي، لم أشبع من دفئه وحنانه ورقته، يعني لم أحب نفسي بشكل جيد قط؛ فالإيثار الطاغي على كل شيء في حياتي جعل قلبي دائما في حالة رحيل إلى آخرين يطلبونه، آخرون قلوبهم معطوبة أو لا يملكون قلوبا أصلا، ويرغبون في العيش به بعض الوقت ليتعافوا أو إلى أن يتدبروا أمورهم، دائما يستأذنونني ويأخذونه، وأحيانا يأخذونه من دون إذن مني، يعرفون مسبقا أنني طيب ولن أعترض ولن أسحبه منهم عنوة كي يشقوا أو يموتوا، وبعد أن يمتصوا كل مشاعره ويتركوه فارغا كمرارة عيد جافة يعود إلى خفيفا ظريفا و سعيدا أيضا، فيعانقني بدقاته الفرحة بلقائي بعد غيبة ثم يقول لي عناقنا طويل يا هذا، دعنا ننفض عن بعضنا البعض كي لا يشغلني العناق عن واجبي، هيا املأني الآن مجددا لو سمحت، من دقيقة فقط رصد راداري محتاجا يقترب من تخومنا، من العيب يا هذا أن يصلني وأنا فارغ، املأني لو سمحت سريعا، املأني إلى الآخر حتى يتبدد الحب من جانبي فيسقي ورودا عطشى، هيا عجّل و لا تترك عناقنا الأناني ينسينا رسالتنا، العناق في مثل هذا الظرف ليس أولوية، املأني من خيرك بسرعة ولن تخسر شيئا، فمطرك والحمد لله غزير و شذى ربيعك حتى المزكوم يشمه وشمسك الدافئة ها هي تشرق. قلت له استرح يا قلبي، لا تهتم برادارك الآن، فهناك حالة أهم جاءتني في غيابك، ووعدتها خيرا، أي قلت لها يستر الله، صاحبها ألح عليّ واستحلفني بكل جميل وغالٍ، قال لي في قلبه عطب، قال لي يا صاحب القلب الطيب أنت عشت طويلا، وآن لك أن تضع مذاريك على التبن أي أن تستريح من هموم الدنيا، وتمنحني قلبك الحنون هذا ليسكنني، لكن أعلمك من البداية أنني لن أعيده إليك، سيزرعه الأطباء في صدري لأعيش، فأنا شاب في مقتبل العمر وأحب فتاة طيبة وحلوة، وقلبي المريض لا يحتمل سحرها، فلا يضخ جيدا حين أكون في حضرتها، تأثيرها اللذيذ في روحي يربكني، ويرفع أحاسيسي إلى نور لا أحتمله،نور لا تمثل له أشعة الشمس وكل الأشعة الفيزيائية الأخرى شيئا، و الأطباء -عليهم اللعنة- قرروا أنني سأموت لو عشت الحب معها أو ركضت خلفها على الشاطيء لكسر تمنعها المزعوم أو صعدت سلالم العمارة لدورين حتى شقتها، قالوا لي لا شفاء لك يا ولد إلا بزرع قلب جديد، أي لا حياة مع حبيبتك إلا بقلب جديد، وأخاف حقيقة أن أقبل قلبا من متبرع مجهول قد لا يكون قلبه محبا رحيما حنونا مثلك فيسييء لحبيبتي دون إرادة مني، وقد يفرق بيننا وتلك أم الطامات الكبرى، وبعد طول بحث عرفت أن قلبك مناسب لحالتي ولن يخونني وسيظل نابضا بالحب وها أنا قصدتك أيها الكريم الشفاف وأعرف أنك لن تردني خائبا، الإيثار لديك لا سقف له حتى وإن تعلق الأمر بمغادرتك الحياة ليعيش آخر بدلا منك، أوووه أطمئنك يا هذا، لن تغادر مخذولا، ستكون معي بطريقة أو بأخرى، سأسرّب لك شيئا من متعتنا حتى لا تقول أني لست كريما كفاية وأناني للنمْ ( أقصى مدى)، المتعة المسرّبة أحلى من الصريحة بكثير، ستصلك أيضا سعادتي وأنت في العالم الآخر مع باقة طازجة من الدعوات، أنت إنسان نبيل، وطيب، وحنون، تساعد العشاق كي يكونوا معا، بل تضحي من أجلهم، آه ما رأيك ؟ ها هي صورة حبيبتي طيبة القلب، تأملها لتعرف أنني صادق وأنني أستحق أن أمْنَح قلبا جديدا، وأخيرا لا تسألني أرجوك كيف مرض قلبي، لقد أحب من قبل أشياء لا تستحق حبه، و عشق أشياء لا تستحق عشقه، بنتا، بلادا، فريق كرة، زعيما، ثورة،مدينة إلخ،فشعر بالإحباط والوجع الذي لا علاج له إلا لديك.

قلت له لا مانع لدي أن أتبرع بقلبي لإنسان يحتاجه، بشرط أن يتبرع به هو الآخر لإنسان جديد، والجديد يتبرع به حين يقترب أجله أو يموت فجأة لإنسان آخر، ولابد أن تتم الموافقة على شرطي هذا مسبقا، ولابد أن يسجل هذا الشرط في كل وزارات الصحة لكل الدول وفي منظمة الصحة العالمية وفي كل الهيئات الدولية وبكل اللغات وبصيغة محكمة لا يخر منها الماء، فحواها تقول : منحت الإنسان قلبا حيا يدق فليبق هذا القلب يدق إلى الأبد، فلربما أعود مجددا من العالم الآخر الذي لن يمنحني قلبا بالطبع فأستعيد قلبي المعار. نعم العالم الآخر سأذهب إليه بدون قلب، فأنت يا قلبي طيب حنون لا يمكنني أن أدعك تموت معي لتقبر، لتعيش بعدها في جنة أو نار لا يحتاجك فيهما أحد، سأجعلك تنجو من محنة الموت هذه، سأتبرع بك وفق الشرط الذي ذكرت وستعيش طويلا، القلوب لا تهرم أبدا، ستنتقل من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، ستكون قلبا خالدا ما دام هناك إنسان يعيش على الأرض، وإن لم يكن هناك إنسان يحتاجك وكل الناس أصحاء سعداء فهنا ستكون المشكلة، وقد تموت أنت الآخر حينما لا تجد مكانا تنزرع فيه، فالقلب دون مكان لا معنى لدقاته، ولا قيمة له، و بالطبع لا يمكنني أن أرتكب جريمة ضد قلب آخر يتم إخراجه من جسد إنسان لتحل أنت مكانه، لابد من محتاج لقلب كي تعيش يا قلبي، أيها الأطباء لا تخترعوا أدوية تشفي القلب تماما، وتجعله لا يمرض بين حين وآخر، حتى يقتات قلبي على أجساد المستقبل وينزرع فيها ويظل حيا إلى حين عودتي له من جديد بعد دهر طويل، قلبي ذاكرته قوية جدا سيحكي لي عن كل جسد دخله، سيحكي لي حكايات جميلة وأخرى بشعة، سيحكي لي عن استغلاله من قبل الأجساد التي زرعوه فيها ماضيا، جسد مجرم جسد طيب جسد شرير جسد شيطاني، سيحكي لي عن أجساد رقيقة انزرع فيها، أجساد نساء تعرضن لصدمات عاطفية فمات قلبهن وأتى هو فانزرع فيهن ليحييهن، لا مشكلة إن كان قلبي لذكر، يمكنه أن ينزرع في كل الكائنات التي في حاجة لمواصفاته، هو ينبض بالخير أكثر من الشر، لا يعني هذا أن قلبي ملاك،نعم به بعض الشيطنة بالطبع، ملاك وشيطان يتصارعان داخله، كل منهما يحب أن يستحوذ على دقاته أكثر من الآخر، أحيانا يتراشقان بالدقات، وغالبا ما يفوز الشيطان في فعل الرجم، وبعد أن يجمعا معا الدقات المتناثرة هنا وهناك نتيجة التراشق ويسكبانها في جوف القلب، يقول الشيطان إننا نتعرض للرجم من كل حدب وصوب في مكة المكرمة، فدعني يا أخي الملاك أهزمك على الأقل في هذا القلب، اعتبر رجمي لك بالدقات نيران صديقة، وعلى فكرة القلوب الطيبة متعودة على هذه النيران ومدمنة عليها أيضا، و أنت يا أخي في مضخة الدم والحب ملاك طيب وتحب الهزائم عندما تأتيك من شياطين، لكن من ملائكة مثلك فلا تقبل بالتأكيد، أنت لديك خير كثير جدا، خير بالهبل يعني، وأنا شرّي قليل، اتركني أشبع قليلا ولا تمنعني أو تنبهني، دعني غارقا قليلا في الجحيم اللذيذ، وسأتركك بدوري في حالك، فلا أوسوس لكل من أحبك ولا أزعجك عندما تظل تتكلم بكلام دافيء يطمئن كل من غرسك داخله وسعد بك، والآن ما رأيك لو نأخذ إجازة ؟ أنت لا تسجل شيئا وأنا كذلك، ما رأيك لو نتبادل المواقع، والأقلام أيضا، أنت تكون جناح أيسر وأن أيمن، تكتب أنت باليسار قليلا وأنا باليمين قليلا، وبعدها نصرخ معا ونهاجم الشقاء والوباء على حين غرة، اختلافنا ليس في صالح الحياة، واتفاقنا أيضا على يبدو، وأخيرا أقول لك ارفض طلب من يريد قلبك من أجل الحب، دع الوغد يحترق ويتعذب، ربما سيقوى قلبه ويجتاز الأزمة، ويجعل رأي الأطباء في حالته لا معنى له، الحب يقوي القلوب ولا يضعفها أبدا، إن كان يحب حقا فلا يحتاج لقلب جديد، القلب القديم يمكنه تدبر أموره، فلنثق فيه ولن نندم. الحديث عن القلوب يطول هذه دقة بداية فقط.

10.4.2020

مقالات ذات علاقة

عبدو الطرابلسي… وليبيا الفاسدة!

أحمد الفيتوري

الهوية الضائعة في عالم متغير

يوسف الشريف

حيّرتني يا (دوت كوم)

سكينة بن عامر

اترك تعليق