المقدمة لكتاب (رحلة القلم النسائي الليبي)
للكاتبة الليبية شريفة القيادي بتاريخ: سبتمبر- 1981م.
بدأت الكاتبة شريفة القيادي-رحمها الله- بمقدمة طويلة ومفيدة للقارئ، حيث قدمت الحقائق والوثائق الأدبية للرحلة النسائية الليبية التي سطرت في كتابة الأدب الليبي، وحركت أقلام النساء، ومهدت لصناعة الإبداع الأدبي، وكانت البداية بقولها: (تاريخنا الأدبي لم يدرس بالصورة المطلوبة بعد، ويسري هذا بصفة خاصة على الأدب النسائي) و كانت البداية نداءً للأدباء والكتاب للأدب النسائي، وهي ترى أن (قضية الأدب النسائي (في الصحافة أو الأدب) فبقيت مهملة، بل نكاد نجزم بأنه لا يوجد من الأقلام النقدية التي تناولت الظاهرة الأدبية النسائية في ليبيا حتى الآن، سوى المقال الذي نشر عن كتاب القصص القومي لزعيمة الباروني بعنوان القصص القومي وأنصار المرأة، والمقدمة القيمة التي قدم بها الأستاذ خليفة التليسي لمجموعة أماني معلبة للطفية القبائلي، ولكن هل يعني هذا التجاهل من جانب النقاد أن الحركة الأدبية معدومة في بلادنا؟).
ولم تكتف الكاتبة بالنداء، بل استمرت في إصدار الأمثلة عن الكاتبات في ليبيا وفي الكتابة الصحفية والأدبية، ورسمت طريقاً للقارئ في البحث والكتابة عن الأدب النسائي وما يحمله من قيم اجتماعية وإنسانية والظواهر الفنية المختلفة، وتواصل الكاتبة قولها: (إن الإجابة عن هذا السؤال تمثل قضية من القضايا التي تحاول دراستنا هذه أن تجيب عليها، فقد سبق لي أن شاركت وعلى مدى ستة أعوام بجهودي المتواضعة في نشاط القلم النسائي.. فكنت أحاول متابعة ما تنشره الكاتبات الليبيات سواء منهن المبتدئة التي تتقدم وجلة مترددة الخطى أو من قطعت مرحلة في عالم الكتابة أو تحولت من الكتابة الصحفية إلى الكتابة الفنية القصصية).
وقد ساهم الأدب النسائي في النهوض بالحركة الثقافية والاجتماعية والتعليمية للمرأة، وظلت الكاتبة تبرز قائمة المبدعات في الصحافة والأدب، ولكن غياب الدراسات النقدية والمعالم الثقافية واضحة في تاريخ الأدب الليبي وفي ذلك تقول: (كانت رغبتي في تسجيل الملامح العامة للحركة الصحفية –الأدبية النسائية في ليبيا هي التي دفعت بي إلى اختيار هذا الموضوع، فربما كان الإسهام النسائي الليبي الأدبي متواضعاً إلا أنه جدير بالاحترام والتسجيل، يزيد من رغبتي عدم تعرض أحد من الباحثين لهذا الموضوع فيما سبق).
وتعد الدراسة جديدة في زمن الكاتبة، جمعت أقلام الكتابة النسائية، ورتبت مادة الأدب النسائي، وكان الكتاب مرجعاً ناضجاً للقارئ والباحث للأدب النسائي الليبي، وأشارت المقدمة إلى نقاط بارزة وهامة منها قول الكاتبة: (الشعور بأن هناك الكثير من الأسماء التي تألقت في حينها ثم لم تلبث أن خبث أو تلاشت أو طوتها الأحداث في خضم ظروف كثيرة ومتباينة فطواها النسيان أو كاد، خاصة وأن بعض هذه الأسماء ارتبط بعدد قليل من الموضوعات ثم اختفى، وإذا كان الوضع الاجتماعي الذي عاشته المرأة العربية وفي ليبيا بشكل خاص يمكن أن يفسر ظاهرة الاحتجاب هذه فليس هناك ما يبرر تناسي هذه الأسماء من قبل النقاد، ومؤرخي الحركة الفكرية في أي قطر عربي)، فمصادر النصوص الأدبية النسائية كانت قليلة عند الأدباء، وبلا شك أن حفظ التاريخ الأدبي يتمثل في الاعتماد على التوثيق الزمني المتسلسل والمترابط في الأدب، حتى تستطيع الأجيال القادمة دراسته، والرجوع إلى مصادره وأعلامه ومنهجه في الكتابة، وإذا فقدت حلقاته أو ضاعت مع الزمن ضاع جزء من تاريخ الأدب، وكانت الكاتبة على بصيرة وذكاء في ذلك، وأصبحت المقدمة أحد المعالم الثقافية النسائية في تاريخ المرأة الليبية، ونلمس ذلك في قولها: (وهكذا كان من الصعب علي أن أحدد تلك الفترة الزمنية المقصودة، سواء من حيث بدايتها أو نهايتها، فمتى كانت بداية فترة النشاط للحركة، إذا كان ذلك كله مرتبطاً بولادة الوعي النسائي نفسه، وبالشعور بالمسئولية والانتقال إلى مرحلة التعبير كمرحلة أساسية للتغيير نفسه وكيف نحدد فترة الانتهاء إذا كانت الحياة تقدم لنا كل يوم جديداً).
فهي تبحث عن منظومة أدبية نسائية تضم أعمال الفن الأدبي عند المرأة بالتسلسل الزمني، وكانت رحلة القلم النسائي طويلة عند الكاتبة “شريفة القيادي” لكنها تمكنت بالمنهج العلمي والدراسة التاريخية أن تحقق دعائم الكتابة عند المرأة الليبية بقولها: (واستقر رأيي أخيراً على أن أتناول بدراستي الفترة الواقعة بين الأربعينات والسبعينات من هذا القرن، فبداية الأربعينات بدأت بالحركة الداعية إلى تعليم المرأة، وببداية هذه المرحلة نلاحظ الاهتمام بقضية المرأة ومشاكلها والدعوة إلى إعادة النظر في المفاهيم الخاصة التي حملناها وتوارثناها قروناً طويلة، وتوقفت بدراستي عند منتصف السبعينات، وفي هذه الفترة استقرت برأيي مرحلة هامة في حياتنا الأدبية، إذ تميزت هذه المرحلة بانقطاع الأدب الفني عن الصحفي، وصدور مجموعتين من القصص القصيرة للطفية القبائلي ومرضية النعاس، وهما تمثلان بداية لمرحلة جديدة جديرة بأن تمثل دراسة مستقلة تتناول الفترة التالية من حياتنا الأدبية) وكانت المقدمة محيطة بالمصادر والمراجع في الأدب الليبي.
أشارت “شريفة القيادي” إلى الصعوبات التي واجهتها في إعداد الكتاب كقولها الآتي:
1- (من الأمور اللاصقة بتاريخ دراستي هذه أن أتحدث عن الصعوبات التي تعرضت لها هذه الدراسة، وما صادفني من عقبات اعترضت سبيلي، والذي أقصده هو انعدام المصادر والمراجع، وكان أول من نبه إلى ذلك الأستاذ علي مصطفى المصراتي في كتاب صحافة ليبيا في نصف قرن سنة 1960م).
2- (العقبة الثانية التي تعرضت لها في دراستي فكان انقطاع عدد كبير جدا من الكاتبات الليبيات عن المشاركة الحياة الفكرية أو انسحابهن من ميدان الحياة الاجتماعية، فحاولت القيام باتصالات شخصية والتمهيد للقاء مع الكاتبات).
إن البحث في الأدب النسائي يحتاج إلى المادة العلمية التي يستطيع الباحث الترتيب والتنظيم للدراسة، وفي غياب المصادر يغيب الباحث والناقد عن الدراسة، ويبحث عن البديل في الآداب الأخرى.
اعتمدت المقدمة على التفاصيل الصغيرة والكبيرة للكتاب، فالبحث جديد في عنوانه، ودراسته، ولمساته الأدبية، وأشارت الكاتبة في المقدمة بقولها: (كان علي أن انطلق في عملي من نقطة الصفر، ومن السؤال الذي قد يرد في خاطر من يتصفح دراستي لدى مجرد قراءة عنوانها وهو: أيوجد حقا أدب نسائي في ليبيا؟ وأجيب على هذا بـ(نعم)، ويكفيني أنني أحاول في تخطيط اللمسات العامة لهذا الاتجاه الكبير منذ بدايته وحتى صدور أولى المجموعات الأدبية الفنية في حياتنا الفكرية)
إنها البداية في جمع القلم النسائي الليبي الذى أعطى الكثير من المفاهيم الاجتماعية، والنصوص الأدبية المتميزة، وسجلت مرحلة تاريخية للوطن، وخصصت العديد من أسماء الأديبات في الأدب الليبي، واعتمدت على التسلسل الزمني في ذلك تقول الكاتبة: (وهكذا وجدت من الأفضل السير على الأساس التاريخي وتقسيم الدراسة إلى فصول متتالية على أساس زمني محدد بصورة شرطية العقود المتتالية الاربعينات، الخمسينات، الستينات، فالسبعينات، وحاولت أن أتلمس الملامح الرئيسية لكل واحد من هذه العقود فقسمت بحثي إلى الفصول التالية: الفصل الأول: البدايات، الفصل الثاني: خطى متعثرة، الفصل الثالث: من الخاطرة الصحفية إلى الأقصوصة القصيرة، الفصل الرابع: نحو أدب نسائي ليبي)، وشرحت الكاتبة عن المحتوى في المقدمة، وإعطاء صورة واضحة لرحلة القلم النسائي الليبي، وفي نهاية المقدمة أشارت إلى (الموضوعات الأدبية التي خطتها أقلام الأديبات كزعيمة الباروني وخديجة عبد القادر ولطفية القبائلي ومرضية النعاس) وهؤلاء رائدات القلم النسائي في ليبيا، وحبذا أن يكون الكتاب بطبعة إلكترونية ويصل إلى الأديب والباحث والناقد بكل سهولة ويسر.
إن مقدمة الكتاب رحلة القلم النسائي الليبي هو مفتاح لدراسات في الأدب النسائي الليبي المتمثلة في دراسة النصوص الأدبية، والوقوف على جمال النص والتقنيات الفنية، وولادة دراسات نسائية جديدة تضيف للمكتبة الليبية مكانة عالية في الأدب النسائي في ليبيا.