شعوب الجبوري – العراق
لكن هل تنامي وتطور تدليل المعنى في الاشياء الحية مطلقة الفرضيات، أم لها من الابداع تأويل في وجود حدود تنتهي؟
إن التمعن الدلالي مفتوح إلى ما لانهاية، يعتمد إلغاء القيود، متيقظا، أبوابه للجمهور المعني تفتح بذراعين بمفتوحتين الاهتمام، لمن يبقى عينيه مفتوحتين ويبقى حذرا، والابداع لا يحمل تاريخا محددا على المواجهة، معلقا، دون أن يتخذ قرارا نهائيا بشأنه، والتدليل رسالة مفتوحة، ذات اهتمامات عامة موجهة لفئة متخصصة ولكنها تنشر حتى يعلمها الجميع علمه وإنارة بصائر غيره هداية ورشدا ما يبح لهم بسره، مهيأ له ولهم سبل الخير. إذن فالتدلال ميسر لا مقيد، وتلك طبيعة الفكر الإبداعي وحالات الوجود أيضا.
بمعنى الأبداع يتلقى المحتوى في سردية عالمه، نصا، صفاته مقتطعة من معالم محددة، متعلقة بتوجيهات ثقافية تشبة الخبرة المشتركة التي يستند إليها النص لدى المتلقي، ترقبه من أجل بناء عوالمه ليعتمد تفهمها، حتى يؤكد مدى سعة تفهمه، معبرا معناه أن سياقات المحتوى لا يمكن أن تعطى جاهزة هبة لغرض القراءة، بل ضمن عمليات تأويلية متتالية، وفاءا عن ترقب حمل المعنى ما تستدعيه الوقائع محيطة بنا مباشرة بضرورة استمرار جمالية محددات النوع في بناء الأحكام الثقافية الاجتماعية.
وذلك مظهر عام ما يسود السؤال اعلاه، لكن هذا الظاهر مظهر من مظاهر وجودنا، التي تدفعنا إلى المضي بالسيرورة الدلالية داخله إلى حدوده القصوى، أي إلى سيرورة التمعن الدلالي في الفرضيات، ولكنها في وجود المحتوى منتهية، لذا فإن النص يمنهي لكن المعنى في سيرورة متعددة الاختلاف والاقتطاعات، فأن تدبير حلقات سلسلة المؤولات، لا يمكن أن تحيل على نهاية تفرز مدلولا لا شيئ بعده، دون أن تنتهي إلى برهان ما، فإن عالم السيناريوهات الاستراتيجية عن اهدافه يتدخل من أجل تحديد مسار المعرفة وحجم فاعلية استقبال الحلقة اللاحقة، إن كان يقلص من طاقته وحجم دفعه لتلقيه من التدلال.
فمن ميزات السيناريوهات خطابها الثقافي، حملها الخبرة القبلية، الذاكرة التي لا يمكن أن تقبل أي شيء، ولا تستفرغ أي شيء أيضا، ولو لم يكن الأمر هكذا، لوقعنا أمام إشكالية حلقات متتالية من سلسلة التماثلات التي لا تخضع لاي متابعة حكم أو سيطرة.
إن للخارج (مخاطر وفرص)، سلطة على إنارة الابداع وإرادة إعادة إرساله إلى توليد المحتوى قوة عن تلقيه، يستفرغ ضعف قبليته، وللسيناريو الاستراتيجي قبلية هو ما يضمن تناغم المحتوى وإنسجامه متماسكا. وهو حدث تبنى عليه سمات وجودنا في البيئة الثقافية والحياتية، فكلما أنغمسنا في الابداع تلمسنا المعنى عالم دلالي حيوي، يحيل تفاعلنا مدركين الأشياء، إبداعية معناها، لا من حيث تاريخيتها المادية، بل من خلال ابداع ظواهر سماتها من تنوع بعضها وتعدد فرصها وقواها المشتركة، واستفراغهما من شحنات المخاطر وضعفهما. وهذه الابداعات ميزة تنافسية، سمات ليست شيء عنها مغاير سوى ذاكرة من أثار بحث وجودنا منها في المعنى.
لذلك فإن لوحدات مصادر الفرص والتحديات في “الخارج” لا تعنى في المحتوى إحالة الموضوعات على المدبر وحدات مادية، أو، تسليمها رفعها إليه وجعلها مقصورة ظواهر، عليه لينظر فيها معادلات من وحدة إلى وحدة أخرى، بل هي محاولة دؤبة مستمرة للأشراف والتحكم بما يمكن من زواها بتسمية “الاداة الثقافية” عند استعمال إحالة الوحدات في المنظومات الثقافية للمعاني، ساعية في المحتوى تلبية إحالة تلك الموضوعات ثقافتها، وتحديد موضعها ضمن التجربة الإنسانية.
وإلى هذا الأصطفاء أنحاز أختيار الظاهريون وأعتبروا المحتوى من زاد فيه ارفع الصفات التعبيرية مقاما إنسيا، ابتدعها الإنسان ارقى منزلة وحولها إلى أثر قبلية جمالية؛ قادرة على حماية مستودعها “التركة”/ إرث قد لا تتمكن الإشارات الاحادية بمفردها أو الكنايات الخفية عن زواء إيماءة الرموز المعزولة القيام به. فهذه، أشبه بمثلها موسوعة، صماء بكماء، وما يمكن أسماعها وأصغاء نطقها (إن صح التعبير) هو إحالة موضعها موضع حيوية وحدات المنظومة المعرفية/ السياقات لا غير، فهي عن وحداتها تولد تموضعات، تبتكرها، معنية بفحصها وأختبارها وحدها، استنادا إلى ما يمكن أن تقدمه نتائج الابحاث والاختبارات من معان تبيح من خلالها منظومة المعرفة ما تنهي به الحدود وتجيزه إبداعا، فقط.
لكن هل الهدف الحقيقي للأبداع عن المعنى يبني قيمة فائضة خالصة داخل اللغة حال إنتاج تولدها أم عند تلقيها تأويليا؟ هذا ما سنجيب عنه لاحقا.