من أعمال التشكيلية الليبية فتحية الجروشي
شعر

شرفات الفتى العربي

من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي
من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي

شرفة كافكا

حين قرأت رواية المسخ لكافكا غمرني إحساس بالعجز والوهن، إذ كيف يمكن لليقظة والمعرفة حل هذه المعضلة الكبيرة؟! ثم مع الوقت تلاشت حشرة كافكا من على سرير الإطمئنان، وخبا وهج الاكتشاف والمغامرة، بعيداً عن عناية وصبر الكهول. بين فترة وأخرى تلمع في نسيج الحياة بارقات كافكا الكئيبة لا يسبقها مطر ولا يعقبها شجن.
 

شرفة محمود درويش

“أطل كشرفة بيت على ما أريد.
أطل على صورتي وهي تهرب من نفسها.”
محمود درويش عرف الطريق إلى شرفته: 
التي ربط على سياجها حصانه الوحيد. 
التي خبأ في أحد أركانها جرة مليئة بحصى البلاد القريبة البعيدة. 
التي شقّ فيها في ليلةٍ استثنائية وجه القمر.
التي سابقته على سريرها ضحكات النساء. 
التي تهبه كلّ صباح فنجان قهوته الأثيرة.
خيطُ روحه يتدلّى على أرض:
كلّما بَعُدَت، قَرُبَت
كلّما أظلمت، امتدّت يده تهتك ستارة العتمة
كلّما أشتدّ فراغ الوجدان غفا على ذراعها.
محمود عرفَ أن شرفته تعبق بروائح الذين عبروا الجسر إلى بستان الأبدية 
والذين عبروا الجسر إلى بلدان يموت فيها العاشقُ من الغياب.
وحده لعلّه عرف أن الوقت له وليس عليه في أول وآخر الزمان.
 

شرفة عبد الفتاح كيليطو

دائماً كانت شرفة عبد الفتاح كيليو تطلّ على الفناء الخلفي. 
كانت كل النوافذ تطلّ على هذه الشرفة. 
من بعيد يرى وهو جالس على كرسي من خشب صناديق المساعدة الأميركية:
الجاحظ منهمك في مسح حذاء جندي مايرينز يرتدي نظارة سوداء غامقة،
ابن خلدون يمسح نوافذ أعلى برج في العالم،
بديع الزمان الهمذاني خلفه الطفيليون والحمقى،
أبا حيان التوحيدي يرتق ما تشظّى من ليالي الشقاء.
 

شرفة 15 مايو

كم شرفة ستفتح عليك يا فلسطين في الخامس عشر من مايو؟!!
الشرفات صارت عمياء
الشرفات صارت تحمل أسماء بلدان أخرى من اليمن السعيد إلى ليبيا البطولة مروراً بالعراق الجريح وسوريا المعذبة.
ستبقى الشرفات عمياء تعصف بها رياح الخوف المدمّرة إلى أن تفتح أبوابها على الوطن.
البهاء والنهار نسيا لغة المكان. ثم نهضا، حدّقا في عيون الحاضرين وتمتما: لا جدوى!
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت الإذاعات ومحطات التلفزيون ترتدي ليومين أو ثلاثة ملابس الحداد وتفوح من أصواتها الكآبة والحزن. ثم تعود الأمور إلى حالها القديم من الارتخاء والعجز. فبلاد العرب أوطاني من المغرب لبغدان.
كانت الذكرى تمر ّكلّ عام كعاصفة نسمع رعدها ونغمض عيوننا حذر برقها.
كانت الورقة الرابحة في يانصيب السياسات العربية داخلياً.
ثم جاء الربيع العربي حاملاً معه العديد من 15 مايو مما جعل السياسين أكثر تنافساً والسوق أكثر رواجاً. صار المنجل يرتدي اللحية المحناة ويلوّح بسبحة العقيق الكريم: 
لن ننام حتى نسترجع الوطن السليب.
الشتات بأيدي الأهل أشدّ إيلاماً من وقع الحسام المهنّد.
أيّ بلادٍ لم نضيّعها؟!!
أيّ بحرٍ لم نرم فيه أنفسنا لنصل إلى الضفاف الأخرى؟!
أيّ حريّة غنمنا وأيّ بهو فخمٍ يدفعُ ألامنا إلى مياه مالحة وتحت أعلام تقطر منها دماء الرؤوس المقطوعة؟!

مقالات ذات علاقة

حوار غير صحيّ

المشرف العام

عواءٌ لكسرةِ ضوءٍ أخيرة

مفتاح البركي

لست شمسي

فريال الدالي

اترك تعليق