MEO
صدرت عن دار النخبة بالقاهرة مجموعة قصصية بعنوان “الكيس الأسود” للكاتب حسام أبو العلا، وتضم 15 قصة قصيرة، تدور أحداثها حول التأكيد على بناء منظومة القيم، ولذا تصنف هذه المجموعة على أنها من أدب الفن للمجتمع، حيث تناقش الكثير من القضايا التي تخص المجتمع عبر تجسيد الواقع النفسي والاجتماعي من خلال نقل التجارب الإنسانية التي تكونت من خلال المعايشة الحياتية للأديب أو عبر الملاحظة الدقيقة للأحوال والظروف المعيشية للأفراد ومن هنا سوف يكون من المناسب تناول هذه المجموعة القصصية عبر تحليل المضمون حيث تشتمل هذه المجموعة على بعض القضايا المهمة منها ما يلي:
التكافل الاجتماعي: تشير القصة التي تحمل عنوان المجموعة “الكيس الأسود” إلى ضرورة إعلاء ثقافة التكافل الاجتماعي، وقد برز ذلك من خلال موقف أم محمود التي ترسل إلى أختها في الإنسانية الأرملة الفقيرة كل يوم بكيس أسود به ما لذ وطاب من الطعام، وتعمدت الأم أن يكون ابنها هو همزة الواصل، وذلك بهدف غرز هذه الثقافة في وجدان ابنها عبر الممارسة العملية.
عقوق الوالدين: وقد برز ذلك المعنى في قصة “جحود” حيث العجوز أم يوسف التي تعاني من إهمال الأبناء لها، حيث تركوها تعاني من آلام المرض والوحدة دون رعاية حتى ماتت وحيدة ولم يحضر لدفنها سوى اثنين من الأبناء، أما الثالث فقد كان يجمع المال من دول الخليج. ومن خلال التوصيف الاجتماعي نجد هذا الموقف من الأبناء يتناقض مع صحيح التدين، فقد ورد بالقرآن الكريم في قول تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا” (العنكبوت: 8).
لقد كانت صرخة المؤلف في هذه القصة بمثابة التحذير حيث إن المجتمع العربي أصبح يعاني من وجود شرائح بداخله تعاني من الجفاف الإخلاقي، وضعف التدين، لأن التدين الحقيقي مبني على كل القيم النبيلة، ويعري غياب خصال بر الوالدين ظاهرة التدين الشكلي بالمجتمعات العربية.
وفي نفس الإطار تحذر قصة “الكهلة” من آفة عقوق الوالدين حيث زوجة الابن التي تمنع زوجها من رعاية أمه (زوجة أبيه التي قامت بتربيته) ويستجيب هذا الزوج الناكر للجميل لهذا التحريض، ونظرًا لأن الأيام لا تسير على وتيرة واحدة تموت الزوجة المتسلطة وتترك طفلا صغيرا لا يجد من يرعاه، سوى أمه التي أهملها ليقذف إليها بولده حتى يتزوج من أخرى، وتسير الأقدار بما لا تشتهي الأنفس حيث يمرض هذا الزوج العاق ولا يجد سوى أمه التي قامت بتربيته صغيرًا فليجأ إليها وتغفر له ما قام به من نكران.
هكذا تصور لنا قصة “الكهلة” أسمى نموذج من العطاء البشري، وقد برز ذلك العطاء المتدفق في شخصية زوجة الأب التي وهبت الابن والحفيد كل الحنان من خلال صورة مغايرة تماما لنمط زوجة الأب المعروف عنها التسلط وشدة القسوة، وترجع أهمية هذه القصة في أنها تؤكد أن القلوب الرحيمة رغم ندرتها إلا أنها نموذج قائم، وقابل للتكرار.
الوحدة الوطنية: انطلقت قصة “شقيقي القبطي” من منظور أن الدين لله والوطن للجميع، وذلك من خلال عرض نموذج للتعايش الحضاري بين المسلم والمسيحي بمصر العربية، ومثل تلك القيم الجميلة هي بوابة الانطلاق نحو المستقبل، فكما يحثنا الدين الإسلامي على حسن معاملة أهل الكتاب، نجد أن حسام أبوالعلا يجسد هذا المعنى بشكل أدبي، وبث تلك الثقافة وسيلة تناسب فكرة الحشد المجتمعي للتصدي ومواجهة بعض الأفكار التي تؤسس للعنف الطائفي.
الإيثار والوفاء والعطاء: تلك الميزات أو الصفات الحميدة من أهم الصفات التي تميز المجتمعات الراقية عن غيرها من المجتمعات التي تسير وفق ديناميكية القطيع، وقد برز ذلك في قصة “دنيا” حيث الأرملة التي أحبت رجلا أرمل، ولكنها أخفت هذا العشق حتى لا يرتبط بها، ويشقى بمرضها العضال، وقد علم الحبيب بعد رحيلها بسبب رفضها للزواج منه، فقام وفاء للحب الطاهر بتولي أمر ابنها وتربيته، وكأن المولف يقول لنا عبر هذا النص: إن فكرة الحب الحقيقي تتجسد في العطاء بلا مقابل.
وتسير قصة “رحلة العمر” في نفس الخط، حيث الأرملة الصغيرة التي تزوجت وفقدت زوجها بعد أن أثمر هذا الزواج عن ثلاثة أطفال، ورغم تعرض هذه الأرملة للتحرش وأحيانا ترك العمل بسبب تصرفات صائدي النساء إلا أنها تنجح في تربية أولادها دون ذلك، ولكن يأبي القدر إلا أن يكرر نفسه عندما يتزوج ابنها الأكبر وبعد أن ينجب طفلين يلقى مصير أبيه، لتتفرغ أرملة جديدة لأداء نفس الدور. في هذه القصة يؤكد لنا الكاتب أن مسيرة عطاء الأمهات لن تنتهي ما دامت الحياة قائمة.
لقد عرض المؤلف نمطا مغايرا لإبراز المعني وذلك في قصة “الإبتسامة المفقودة” حيث تؤدي عملية زواج الأرملة من رجل آخر إلى تدمير الحالة النفسية للابن، وخاصة إذا كان الزوج لا يعى خطورة القسوة على الطفل اليتيم.
أما قصة “ولي العهد” فهي تشير إلى أقصى درجات الإيثار، فقد رفضت الزوجة التخلى عن زوجها بعد أن علمت أنه عقيم ولن تنجب منه، وهذا النموذج من البشر لديهم القدرة على العطاء بلا حدود، وأيضًا تؤكد قصة “ليلة العيد” على هذا المعنى حيث قام العامل الذي جاهد للحصول على سلفة كي يشتري ملابس العيد لابنه الصغير بإعطاء المال لصديقه كي يدخل البهجة على أولاده لأنهم أكبر سنا من ابنه ويدركون معنى الحرمان بصورة أكبر.
المرأة والاستقرار العاطفي: تحاول المجموعة القصصية في عدة قصص التأكيد على هذا الحق، لأن الاختيار الصحيح هو الضمان الحقيقي لبناء مجتمع سليم، وبرز ذلك المعنى بعدة أشكال ففي قصة “الفراق” تم تجسيد الآثر السلبي لجفاء معاملة الزوج مع زوجته مما دفع بالزوجة للبحث عن الحنان مع شخص أرمل آخر، ونشأت بينهما قصة حب قوية، ولكن لحسن الحظ أن العاشقين أدركا أن الاعتصام بالنبل والرضاء بالواقع هو الحل، في حين تشير قصة “عودة مخيبة” نمطًا للمرأة المدللة الثرية التي تبحث بجنون عن الزوج المشهور لتتفاخر به، دون أن يكون لذلك الدافع أي علاقة بمعنى الحب أو التوافق العاطفي، ولم تتورع في ترك ذلك الشاب المتفوق الذي سبق أن شجعته على التقدم للزواج منها عندما وجدت من هو أكثر منه شهرة، وبعد مرور الأيام ونجاح الخطيب السابق بصورة تفوق زوجها عادت لتحاول الاتصال به، ولكنه رفض هذه العودة.
تشير قصة “اغتصاب” إلى قضية في منتهي الخطورة، وتتمثل هذه القضية في التعامل مع الزوجة بجفاف، واعتبارها مجرد وعاد للجنس فقط، فقد أدى إهمال الزوجة إلى وقوعها في فخ قناص ماهر كل ما قام به هو إمطار تلك الروح القاحلة بمعسول الكلام، فوقعت الزوجة في المحظور، وعندما سلمت نفسها لذئب كانت تظنه ملاكا ظهر على حقيقته، فقد صورها وهي تسلمه نفسها، وهددها بفضحها إذا لم تدفع له المال، وحتى تفدي نفسها باعت مصاغها الذهبي وسيارتها لتسترد الصور المسجلة. إن الرسالة المقدمة للأزواج في هذه القصة هي رسالة تحذير بامتياز، فبضع كلمات رقيقة سوف تحول حياتك إلى جنة، وإذا قلتها لن تبحث عنها زوجتك عند الآخرين، أما الرسالة الموجهة لحواء فهي ألا تصدقن الكلام المعسول فكم اقتنصت الذئاب البشرية حواء تحت سيل من الكلمات المعسولة.
وتشير قصة “الغفران” إلى أن انشغال المرأة عن زوجها قد تدفعه إلى حضن امرأة أخرى، وتلك القصة هي رسالة لكل الزوجات ألا يهملن أزواجهن حتى لا يسقطوا في براثن الغواية. أما قصة “شروق” فتحذر من خطورة جرائم الثأر وما تسفر عنه حوادث القتل من ضياع للمرأة بوجه خاص حيث تفقد زوجها أو ابنها أو أبيها، الصورة السلبية للمعاناة التي تحملتها الأم الأرملة هي بمثابة دعوة شديدة الإلحاح لبسط سيادة القانون على المجتع بأسره.
يتضح بعد هذا العرض المختصر للمجموعة القصصية “الكيس الأسود” أن الكاتب حسام أبوالعلا قد رسم بقلمه الكثير من الصور الإيجابية، وعرض نماذج لأهم القيم التي تضمن حال تطبيقها نجاح أي أمة.
هذه المجموعة تشير إلى أنه يمكن للكتاب من خلال الأدب المساعدة على نهوض المجتمعات العربية.