وأنا أذرع مشيا شوارع حى العجوزة بحثا عن مدرسة «المعاهد القومية»، مسترشدة بموقع جوجل معلوماتٍ وخريطة، سرح بى خيالى فى استعادة تاريخ نصف قرن ويزيد مضى، فهنا سكنت وهنا أمضيت سنوات دراسة تلميذة من ليبيا عمل والدها بالسفارة الليبية لسنوات أربع، والدتها ليلى ياقوت أصيلة القاهرة وخريجة كلية اللغات تزوجت عام 1946م الشاب القادم من بنغازى سالم ابن التاجر جبريل الكبتى صديق العائلة، ليلى أنجبت أبناءها الأربعة بالقاهرة نادية ونبيل وعايدة وصلاح، وعاشت بين بنغازى وطرابلس، اقتربتُ من بوابة المدرسة وتلاميذها فرادى وجماعات تعلو أحاديثهم وضحكاتهم البريئة فى مواجهتى وسؤال الموظف بالاستقبال عارضا خدماته بلطف وأدب، أجبته بأنى أحتاج إدارة المدرسة، فطلب منى تدوين معلوماتى الشخصية بسجل الزوار، أتممت ذلك وولجت إلى إدارة المدرسة، وقدمتُ نفسى صاحبة كتاب «مذكرات أول مذيعة تليفزيون ليبية- عايده الكبتى»، وأرغب فى الحصول على معلومات أو صور تتعلق بتلميذة درست عندهم فى الابتدائية والأول الإعدادي، وعن معلميها من وردت أسماؤهم بتلك المذكرات التى ستصدر قريبا مرفقة بما سأحصل عليه عن معلم اللغة العربية زكى الجميل، عفت السماع، معلمة الحساب، وقدرية المنياوى وشغلت مديرة للمدرسة (1959-1963)، وأملت بأن ذلك سيمثل إضافة مهمة فى فصل يخص تجربتها بمصر، أنتظرت الإجابة عن أسئلتى لكن السيدة الجالسة خلف جهاز الكمبيوتر اعتذرت كون هذه الفترة لم يجر حفظها وتوثيقها، وتذكرت أن الأستاذ زكى الجميل قد تعين كنائب للمديرة قبل سنة تقاعده ولا معلومات أكثر من ذلك، ومساعدة لى أرشدتنى إلى مكتب الإدارة التعليمية علهم يحتفظون بما جئت باحثة عنه، وأنا أغادر تأملت ساحة المدرسة، وكأنى بعايدة التلميذة المجتهدة تتقدم فى حفل عيد العلم، وتتسلم شهادتها وميدالية كتب عليها «جائزة التفوق» وتُلتقطُ صورة لها مع الرئيس جمال عبدالناصر، الذى حضر الحفل كولى أمر التلميذة منى جمال عبدالناصر، وتلميذات بالساحة رافقن عايدة فى سنى دراستها منهن عبلة الكحلاوى (ابنة مطرب الموشحات محمد الكحلاوي)، بوسى ابنة شقيق عبدالحليم حافظ، والتى كانت تسكن وعمها فى عمارة بالقرب من المدرسة، وكن طالبات المرحلة الثانوية يتقربن منها، وينتظرن خروج الفنان المحبوب فى البلكونة متدثرًا بالكوفية والطاقية الصوف فى الشتاء، منى عبدالغنى (الفنانة والإعلامية)، ابنة شهرزاد المطربة الشهيرة وقتها. وتلاحقت بذهنى سيرة تلك المرحلة الثرية التى أفرغت لها عايدة جانبا فى رحلة مذكراتها بمصر الثقافة والأدب والفنون.
واصلت بحثى وتوجهت إلى الإدارة التعليمية لمدارس العجوزة، وقاربت إجابتهم إجابة إدارة المدرسة بغياب التوثيق بمخزون تلك المرحلة، خاصة أن مدرسة المعاهد القومية مدرسة خاصة وليست حكومية وعلاقتهم بها تتمركز بالإشراف والمتابعة للمعلمين والمناهج وطرق التدريس، ونُصحت بالتوجه للموقع الإلكترونى للمدرسة علنى أجد فيه ضالتي، حقيقة أنى بحثت فى الموقع ووجدت فقط اسم «قدرية المنياوي» فى جدولة تخص تعاقب إدارة المدرسة، وذهبت إلى نافذة الصور والأرشيف فكان أغلب الصور حديثا لنشاطات المدرسة وضيوفها، وتركت سؤالى معلقة، بعد أن اقترحت زميلة صحفية بأن أتوجه لدائرة الأنفس لأترصد المواليد والوفيات وإن تطلب ذلك زمنا قد لا ينتظره كتاب شارف على الطباعة والصدور.
مذكرات «عايدة سالم الكبتى أول مذيعة تلفزيون ليبية»، هو كتابٌ أعددتهُ بعد متابعة لحائط صفحتها الخاصة الفيس بوك، وصفحتها الملحقة «خربشات من الزمن الجميل»، سيرة ومقالات تجاوزت الخمسين حلقة شرعتْ فيها 22 مايو 2016 وحتى نوفمبر 2018، مدونة الكتاب المذكرات التى جمعتُها مثّلت فى بعضها مقاطع قصيرة، وبعضها ما يشبه المقالة، وفيها ما جاء فى ردودها للمعلقين كما ما أضافه المعلقون، أو لى على الماسنجر فى تواصلى معها بمحل إقامتها بأمريكا، توضيحا لما غمض فى متن الحائط، قمتُ بتحريرها وترتيبها عبر خارطة تُسلسل تلك المذكرات التى توالت دون ترتيب تاريخى بصفحتها، عايدة الكبتى التى عادت مع عام ثورة فبراير 2011 م وجددت تفاعلها الإعلامى بعد غياب أربعة عقود، الكتاب عنها يأتى ضمن مشروع انتهجتهُ لتدوين وتوثيق ذاكرة رائدات نهضة ليبيا، وهو الكتاب الثالث بعد نساء خارج العزلة، وليبية فى بلاد الإنجليز، و«مذكرات عايدة» أول كتاب يتناول سيرة مذيعة تليفزيونية ليبية، كما ومرجعيته العالم الرقمى وفضاؤه الأزرق، قريبا فى متناول كل قارئ مُهتم.