محمد اللافي
كأنه صوت رجل يغني، يتناهى في سكينة الليل، يتموج بين أرض وسماء فَيَصِلُ ممزوجا بفضاء. ينحدر الصوت في واد فيسبقه صداه، ثم يصعد شجيا متوحدا حينا أو صادحا حينا كأن ليس ثمة صوت سواه.
تكتمه الريح وتخمده من طرف أو جهة ثم تدنيه وتذروه من جهة أخرى. يخبوا أحيانا أو يتماهى متوغلا أو منبثا مبتعدا ومتلاشيا لا سبيل لأذن أن تلحق به، ثم كأنه يقترب حتى تميز (زَقْرَهُ) ونحنحته دون أن تنبحه كلاب ولا تسبقه شياه.
ينقطع ما بقي لدي نسوة من ثرثرة، يُصِخْنَ التسمّع، يتوافقن في آن على الصمت.
تفتعل واحدة منهن شأنا خارج الخباء وتغيب برهة إلى أن يتوقف الغناء.
تذكر أنها ميّزت كلمة واحدة (يا بوعقل). ثم تقول شيئا عن سطوع القمر في الخارج حتى أنها تبيّنت ظُلمة الزيتونة تعتلي الثّلمْ الشرقي، وكأن الصوت في مرات يأتي منها، وفي مرات ينصرف صدى صاعدا مبتعدا مع امتداد الطوق الغربي.
تُقرّها الأخريات في ما قالت، ويعُدْنَ برهة للصمت.
تتساءل أكبرهن ما إذا كانت هذه ليلة الجمعة اليتيمة من الشهر، يصح ظنها فتقوم وتأتي ببخور.
تتمتم الصغرى بأن ليس ثمة رعاة ولا عابرين في هذا الأوان فمتى كان القمر يحسن مثل هذا الغناء.