هل تراه جيلي الذي قذف بالفراشية بعيدا..؟، وماحكاية هذا الحنين.. حنين لذاك البياض الذي يلفّ كائنة تنبض بالمودة,هي أمي و”بنبوكها الضافي ” وكلمتها الأثيرة: (المرا ليها بالصوت الخافي والبنبوك الضافي ).
لكنّ جيلي يريد أن يصرخ بالحرية ويقول ذاته, وكانت المسكينة “الفراشية ” رمزا للقيد والتشيوء.
وربما لأنّي حاولت ذات مرة أن ألبسها فتمرد جسدي وصارت تلتف حولي, ثم أكملت الريح الصيفية الحكاية فأخذتها بعيدا
ترفرف باستسلام, فماحكاية هذه القماشة التي تُجَارِي الصيف ببياضها,ثم تلملم نسيجها ليغدو بنيا ليكون للشتاء دثارا,هي الفراشية ولهونا نحن بنات السانية , حين يمر سرب من الحمامات المتهاديات فنبتكر لعبتنا, كلّ واحدة تحاول أن تعرف من هذه المختبئة , نواصل التحديق وهنّ آتيات باتجاهنا وتصرخ احدانا ” الحاجة حليمة ” لتقول صاحبتها “لا هذي خالتي سالمة ” لتفحمهما الثالثة :
” توة هذي فراشية عزوز , والله إلا فاطمة ” , نعم هي فاطمة بوجه صبوح ” وقصةحِفْاري ” وسواك يلون شفتيها تتهادي في مشيتها وهي تقترب منّا لتقول ” حويتة ع البنيات ” وروائح فاغمة تفوح ” زهر وقرنفل” و” زيت الخجلة ” و”الوشق ” الذي تحبّه “مرت العم ” لّلاهم , ولكنها لن تعبر حتى ” تبّخ “
” الزهر” على رؤوسنا فهي تحتفظ به في ” شلامتها ” وتحبّ التحاف “الردي “ودائما أرديتها زاهية اللون تشّع من البعيد لتقول :
” خبزة الفرن في شلامتي وشاهيكم واتي..؟ ” , ويكون ” براد الشاهي ” قد تربع على “بياض الكانون ” و”فم الحياش ” مكتظ بهنّ وبمن يحبو أو يتعلم المشي , وبالصبايا في زهو ينظرن لفاكهة بدأت تنضج في أجسادهن , الحصيرة التي منسوجة بيد تحبّ ملمس “الحلفا والديس ” أو راودت ” السعف ” فصار لينا , هكذا يتماوج لون ولون وأصوات وحكايات, أمّا الحاجة ” ميلودة ” فهي التي “ا تسمّل ” الفراشية حين تطلب صاحبتها نوعا ما من ذاك “التشابك ” في أطرافها حتى تعرفها “الفراشية ” من مائة أخرى , لكنّ الصوت سيعلو في كلّ مناسبة ليبحث عن فراشية ضاعت أو تشابهت مع أخرى وربمّا ارتفع الصوت أكثر مما يجب , فتجيء سيدة الحكمة ” الحاجة زكية ” وتهدأ الأصوات ولن يكون إلاّ ما يرضيهن, لتحضن الفراشية جسدا تعرفه تلتفّ وتعانق لتواصل المتهاديات خطوات متأنية حتى يكملن حديثا, والطريق يمتد والمسارب تنفتح , والحكاية تفيض بالبياض الذي يملأ القلوب ويجعل للبسمة مذاق يوم بهي تشرق شمسه عليهن , و”خالتي ذهيبة ” سيدة ألتقيها ذات صباح مغمورة بفراشية و” بنبوك ضافي ” فأشهق فرحة وأحضن رأسها لأقبّله:
” مازالت الدنيا بخير, ردّي بالك علي فراشيتك ” .
______________________________________