قراءة في المجموعة القصصية (تسكع على أرصفة الذاكرة)
للقاص بالقاسم السحاتي
يبدأ القاص بالقاسم السحاتي مجموعته بقصة أحداث في ذاكرة مبعثرة يحاول فيها الخروج من نفسه للبحث عن ذاته ولكنه لم يستطع وهو يشعر أن جسده يحتجزه وأنه ليس هو، في هذه القصة يحاول الإعتراض على ما يخالف المنطق في الواقع المرير، وينقلنا عبر ترنيمة بحثه عن الذات إلى الحالمة، تلك التي تحاول أن تختزل الحياة في لحظة حلم ولكن هذا الواقع المرير يكون لها بالمرصاد “وفي إحدى المرات ضبطني معلم الحساب متلبسةً بحالة حلم، تحسب أن الأمر سهلاً فأنت لا تعرف معلم الحساب”. وما أدراك ما الحساب.
ثم يأخذنا الكاتب لنجلس معه على: رسي الإمارة، فقد أصبح أميرًا للمؤمنين لحظة حلم يحاول أن يشنق فيها عجزه ولكن عجزه تمثل أمامه غولاً حين استنجد به رجل وقال له أن يهوديًا بقر ناقته فاستيقظ من حلمه صارخًا “إنهم الآن يبقرون بطون نسائنا”.
ومن هذا الحلم اسيقظ ليجد نفسه في عالم الكوابيس إلى المشؤوم الذي ضحك يومًا واحدًا هو يوم موته، ترى لماذا ضحك عندما شعر بموته؟، هو العابس دائمًا، هل أحس أن ذاته ستحلق؟ هذه الذات التي حاول أن يعتقها بإزاحة رأسه أو بالهروب إلى حذاء بطل قصته الحذاءالذي في نهاية المطاف أكل عليه الدهر وشرب وحين تفحصه عرف أن صاحبه قد مات وهو في رحلة بحث عن ذاته، هنا يطل علينا الممثل الذي دارت به شخوص عدة على خشبة المسرح وحين عاد إلى بيته صرخت زوجته في وجهه “طلقني لقد مللت الإستمرار، ثم يسقط معنا في الظلام باحثًا عن الذات ” قالت: إن تفكيرك يسحق مساحة حلمي دعني أنام”.
“لكي تنام يجب أن تغمض عينيك ولكي تحلم يجب أن تنام”، أغمض عينيه الظلام هو الظلام نفسه، ولكنه ممتليء بالأمنيات “حركي برقك واجعلي رعود عواطفك تزلزل سماء أحلامي” ولكنه أفزعه صوتها عندما قالت له “استيقظ يا أستاذ انتهى الدوام”، فخرج يتسكع على أرصفة الذاكرة، رصيف جاء فيه الأمل يمتطي صهوة اليأس، رصيف مات فيه الأمل، رصيف لجسد غادرته الروح أما الرصيف الأخير بعثر فيه أحلامه وأمنياته واحتفظ لنفسه بأمنية صغيرة وهي بأن ينام من دون أن يحلم.
هنا انتهى تسكعه ليعبر بنا إلى قصة جثتي التي ظلّوا يبحثوا فيها عن الحياة ثم سدوا جميع ثقوبها بالقطن المعقم حتى عمه الظلام، ثم يمضي بنا:اتبنا إلى حارس المقبرة الذي يرحل الجميع ويبقى هو وحيدًا، ولا زال في رحلته يلاقي ذاته في الرحيل، حتى استقر به الرأي أن يجلس في دائرة ضوء “قال بهدوء: لم أكن أدرك أن الأحلام تنمو نمو الإنسان وتكبر لتصبح أكبر من الزواج والبيت والأطفال. قالت بصوت هامس: والوطن”، هنا تصرخ في وجهه “أنت مجرد ذكر آخر تافه”.
وتبقى رحلتنا مجرد حكاية، ومع حلول الظلام ونزيف حاد في خواطر تحتضر مازال النزيف مستمرًا وإلى أن يتوقف النزيف سنلتقي ولكننا الآن وجوه معفرة بالندم، وبالرغم من هذا يعلن القاص أننا في حالة حب، حالة اغتيال معلن نرث أحلامنا “مجرد أحلام تموت عندما تفتح عينيك على الواقع” فنصطدم ونتألم من رضوض في ذاكرتنا لنأتي إلى لحظة الوداع ولكنه يصر بأن ذاته لم تمت “إنها تعيش .. تعيش داخل نفسي” ثم ذهب ولم يعد ليصبح غريبًا التفت حوله الذئاب وهاجمت روحه التجاعيد من طول رحلة بحثه عن ذاته فصرخ ” أتفهمين أن ما بيني وبينك لغة غير قابلة للفهم ” ثم صرخ أيضًا أنا عربي حتى النخاع.
هنا:ان يبحث عن ذاته في عروبته فوجد نفسه أمام رجل مسلح يأمره أن يخرج ما في جيوبه، لكن جيبه:ان مثقوبًا مثل الأجوبة المثقوبة مثل نبضة قلب تبحث عن الحب، مثل دمعة تجد ذاتها في البكاء، مثل وحدة برغم الضجيج، “فماذا لو استيقظ:ل الناس ذات صباح وو جدوا أن جميع مستنداتهم الرسمية قد مُحيت، هل الإنسان مجرد مجموعة من الأوراق”.
قصص جميلة سردها شيق ومدلولها عميق.