نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون محاضرة للفيلسوف والباحث نجيب الحصادي بدارحسن الفقيه للفنون قدم خلالها ورقة بحثية تعنى بتأصيل معنى الهوية بعنوان «مقاربة فلسفية لمفهوم الهوية» مشخصا فيها رؤيته لمفهوم المصطلح ودلالاته.
وانطلق الباحث نجيب الحصادي من أسئلته حول ما اذا كانت وجود أم ماهية ؟ وهل يمكن اعتبارها خاصية سكونية ام سيرورة يتعاقب عليها الزمن بصروفه ؟ وهل تتراتب وتتفاضل هويات البشر ام لا فضل لهوية على أخرى ؟ وهل الاقلية هوية ام أنها مصطلح يليق بعلم الاحصاء.
ويشير المحاضر متخذا من الثبت التعريفي للكلمة قاعدة انطلاقة لاجاباته إلى أن لفظ الهوية نحت من الضمير النحوي «هو» ترجمة لكلمة يونانية استخدمها ارسطو للدلالة على الوجود.
وأشار الدكتور نجيب الحصادي إلى أنه مع بزوع عصر التنوير وديكارت تحديدا لم تعد ترتبط الهوية بدلالات انطولوجية بل اضحت مفهوما ابستمولوجيا يدل على الذات المفكرة وغدا معنا ها مستنبطا من واقعة «أنا أفكر» ومنذ هيجل تكرس البعد الانثروبولوجي في تشريح المصطلح ومع تعدد الانزياحات الدلالية للفظة الهوية عبر الزمن أمست في النهاية بعدا سوسيولوجيا قارا فهي تكتسب عبرالتنشئة الاجتماعية وتنتج خلال التفاعلات المتبادلة بين شرائحها.
من جانب أخر يلمح الحصادي الى ان للهوية تأصيلات متنوعة ابرزها التأسيس الاثني المفاضل بين أجناس البشر والتطوري الذي يعتبرها الية دفاعية من أجل البقاء وكذا التأسيس الثقافي الذي يعلي من شان تعددية الهويات ثم التأسيس اللاهوتي الذي يعتبر الدين اصل كل هوية ويصوغ المحاضر تاصيله الخاص للهوية بانه «ابستيمي أكسيولوجي» يتسم بطابع ريبوي فهو يسوغ اختلاف الهويات بالركون الى قصور كامن في طبيعة الدراية البشرية بالقيم الانسانية.
ويستعرض الحصادي في مقاربته الاشكالات المتعلقة بدوائر الهوية منوها إلى أنه غالبا مايفصح اشياعها ومناصروها عن ولائهم للتسامح والاختلاف لكن ثقافتهم تخون فيما يبدو ولاءهم ذلك أن الهوية لكونها انتماء إلى خلق انما تضمر تخليا عمن لا ينتمي إليه.
مضيفا في ذات المقاربة أن هناك توجهات فكرية لايعاني أصحابها من اختلالات نفسية كتلك التي تبناها ادباء وكتاب أمثال مكسيم جوركي الذي قال «جئت الى العالم كي أختلف معه» والمفكر دي سان فيكتور في عبارته «أن الانسان الذي يجد وطنه حلوا ليس سوى مبتدئ رخو وذلك الذي يعتبركل ارض بالنسبة له كارضه هوالقوي بالفعل لكن الكامل هو الذي يكون العالم بالنسبة اليه بلدا غريبا».
وفيما إذا كانت مسألة الحسم بين النظريات العلمية في باب الممكن من عدمه ؟ وهو السؤال الذي يصل إليه المحاضر في سياق حديثه عن «التأسيس الريبوي» يخلص إلى نتيجة مفادها إنه حتى في مجال الالتزام بمعايير الموضوعية والحياد وفرض اشتراطات منهجية صارمة على عمليات التحقق، ثمة اتفاق بين فلاسفة العلم على استعصاء ان لم يكن استحالة اثبات أي نظرية على اخرى، وهي الحجة التي يتكئ عليها الحصادي في قراءته لهذا التأسيس.
وفي حديثه عن دور العلم والفلسفة في تكريس التعايش السلمي ينتصر الحصادي للاخيرة في كونها الانجع في معالجة العطب الحاصل في منظومة المجتمع القيمية فلا مناص من توسل التفكر الفلسفي اداة للتأصيل ونشر الوعي وتقويض الافكار السائدة والبنى الحاكمة.