متابعات

مسرح المخرج محمد العلاقي

“محمد العلاقي مخرجاً” هو عنوان الندوة التي نظمتها الجمعية الليبية للآداب والفنون يوم امس الثلاثاء بمبنى دار نويجي – القنصلية البريطانية سابقا – داخل أسوار مدينة طرابلس القديمة وحضرها لفيف من الأدباء والمسرحيين والنقاد، في إطار خطتها الثقافية المبرمجة لهذا العام، حيث استضافت الجمعية بعض الوجوه المعاصرة للمخرج الراحل للحديث عن مسيرته الفنية في مجال المسرح وتسليط الضوء على مشروعه الفني.

محمد العلاقي مخرجاً

علي خليفة تلميذ المخرج الراحل كما قدم نفسه من خلال الحديث هو الذي تكفل بإدارة المنشط وتقديم الندوة، وبعد تناوله لأهم السمات التي طبعت مسرحه ومدرسته أعطى الإذن للناقد الفني أحمد عزيز لقراءة ورقته التي أعدها والتي جاءت بعنوان “الفنان المخرج محمد العلاقي أستنطق الفضاء المسرحي ليتحدث بلغة بصرية جديدة”.

وفي التفاصيل أكد على أن العلاقي أسهم في إثراء الحركة المسرحية الليبية من جهة، وساهم من جهة مقابلة في تكوين وإعداد أجيال من الخريجين بمعهد جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح انخرطت لاحقا في مسيرة المسرح وبرز بعضهم بقدراته العالية، وأكد كذلك على انطلاق العلاقي من خلفية ثقافية شاملة ورؤية فنية ناضجة، أما عن أول عمل فقد أشار الباحث إلى أن العلاقي أخرج أول عمل عام 1964 وكان عبارة عن مشهد من مسرحية ” العباسة ” بطرابلس، وكان العلاقي بحسب الباحث قد انتسب إلى المسرح القومي قبل أن يُرشح لدورة دراسية في مجال المسرح بفرنسا العام 1967 ثم ليعين كمدرس بمعهد الموسيقى والمسرح إثر عودته العام 1972، وكان طبيعيا أن يتأثر العلاقي ببعض المخرجين الفرنسيين أثناء دراسته وتفتحت مداركه على أراء فنية تنادي بالعمل من خلال المسرح على حث المتلقي والدفع به إلى التفكير والتأمل والقراءة الواعية للواقع وليس الأهتمام فقط بما يثير انفعالاته وعواطفه، وفي المُجمل أستعرض الباحث في ورقته بعض أراء المخرجين الذين تأثر بهم العلاقي واستفاد من أراءهم لاحقا، وظهر تأثير كل من ” لوي جوفيه وبر يخت وخلافهم، ولا زلنا في سياق سرد الباحث أحمد عزيز الذي بيَّنّ بأن العلاقي كان قد أخرج أول مسرحية له بعنوان “قراقاش” للشاعر سميح القاسم ثم تتالت المسرحيات فأخرج مسرحية الأقنعة والكرسي وجالو والميت الحي والشنطة طارت والطابية وملحن في سوق الثلاثاء، بالفصحى وبالعامية، وجال بِمَشاهدِهِ التي قدمها لطلبته بالمعهد طيلة ثلاثون عاما ما بين روائع المسرح العالمي مع يوربيدس وشكسبير وبريخت وغيرهم، ولهذا السبب حملت الأعمال بذرة تجديدية متأثرة بموجة الحداثة حين مارست نوعا من الانزياح عن السائد والمقولب والنمطي لتتجه إلى أفاق أرحب ومدارس أحدث، وفي حديثه عن مرحلة التجريب عرَّجّ الباحث على بقية المخرجين الليبيين الذين تبنوا التوجهات والرؤى الجديدة بعد الأطلاع على أصولها في أوروبا وتلا أسماء البعض منهم إلى جانب العلاقي، ولا زال الباحث ينتقل بنا من نقطة إلى أخرى متجولا في هذه التجربة الواسعة إلى أن يصل إلى ما قاله الأديب الراحل كامل المقهور عن العلاقي ذات مرة إذ يقول “ما جلست مرة أو مرتين مع العلاقي إلا وانبهرت بتخيلاته وبتصوراته وشخوصه التي كنت أحس انها تسكنه، حتى خلتُ أنه مسكون”. وفي تحليله للتجربة أشار الباحث إلى إفادة المخرج من الاتجاه الكوميدي فقدم أعمالا باللهجة العامية تستثمر هذه الخاصية بأعمال ذات حبكة طريفة وغير مرهقة بالتفاصيل والثرثرة وحرص على أن تكون ممتعة في ذات الوقت. هذا تقريبا أهم ما جاء في الورقة.

عبدالرزاق العبارة بدوره أعد ورقة عنونها بـ “محمد العلاقي كما عرفته” وإلى جانب بعض المعلومات التاريخية التي تخللت الورقة والتحليل المختصر أنطوت الورقة على الكثير من العاطفة والأحتفاء بالمخرج لأنه وقبل كل شيء كان صديقه وجمعتهما علاقة ود وترابط إنساني جميل كما فهمنا من كلام الأستاذ عبدالرزاق الذي لم يكتفي بعرض انطباعاته مقروءة فقط وإظهار تقديره واحترامه لصديقه الراحل إذ قام بإحضار صور قديمة تمثل الراحل في مناسبات عديدة وحتى في لقاءات ودية ومع الأصدقاء والفنانين وصور أخرى لبعض أعماله المسرحية ولبعض الفعاليات المسرحية التي شارك فيها كمحكم وكمراقب على ما يبدو من الصور حيث ومن خلال توزيع وإلصاق الصور هنا وهناك على جدران القاعة التي أُقيمت بها الندوة كوَّنَ المتابع لها فكرة مهمة عن المخرج الراحل.

وبين الأوراق المقروءة ما انفك مدير الندوة يسرب بعض المعلومات والوقائع التي أضاءت جوانب عديدة من التجربة. وعن علاقة المخرج بالممثلين تحدث الدكتور والممثل القدير علي الخمسي عن بعض الأمور الفنية الدقيقة التي استثمرها المخرج الراحل في تعامله مع الفنانين والأهتمام بالإيقاع الحركي والإيماءات وغيرها من التقنيات التي يعتمد عليها فن المسرح، وتحدث كذلك عن الرمز في مسرح العلاقي وعن الأريحية التي يجدها الممثل عند العمل معه.

وتناول المخرج الدكتور حسن قرفال من جهته عما عدَّهُ انفتاحا على القضايا الإنسانية من قبل العلاقي وتجاوزه للخصوصية المحلية وتطرق إلى تأثراته بالمخرجين الفرنسيين وعن اهتمامه بالسينوغرافيا خاصة وتأثيث الفضاء المسرحي الذي انعكس بشكل أو بآخر بالإيجاب على مسرحه. فيما تحدث الناقد منصور أبو شناف عن المخرج والإنسان محمد العلاقي وأكد على جهوده الحثيثة لبناء مشهد مسرحي أسوة بالدول العربية الشقيقة والمجاورة لنا ومساعيه لرسم خارطة ليبية للدلالات والإشارات في المسرح. من ناحيته علق الأستاذ امين مازن ببعض الملاحظات المهمة التي تخص التجربة.

آخر المتحدثين كان الأستاذ والناقد المسرحي والمتخصص في نقد الأعمال الدرامية عبدالله هويدي الذي اتفق مع بعض من سبقوه بالحديث على أن مسرح المخرج محمد العلاقي مسرح تجديدي حاول بما اكتسب صاحبه من علم ومعرفة تجاوز حالة الجمود والتقليدية السائدة متخذا من مقولة ” المسرح تغيير وليس تفسير ” شعارا يرفعه وينطلق منه عمليا، وأكد الأستاذ عبدالله أيضا على انشغال العلاقي بالسينوغرافيا أو علم الصورة كما عرّفها الناقد، إلى جانب اهتمامه بالمضمون، وكان بحسب الأستاذ عبدالله مهتما وإلى حد بعيد بردة فعل المتلقي على ما يقدمه له من مادة مسرحية وأعتقد أن النجاح قد حالفه لهذه الأسباب ولهذه الصرامة والجدية في التعامل مع المسرح الذي عشقه وأحبه كثيرا وكان لذلك الأثر الإيجابي على إنتاجه.

واستدراكا تواصل الحديث، وفي كلماتهم القصيرة اتفق كل من الناقد السينمائي رمضان سليم والفنان إسماعيل العجيلي وهم الذين عاصروا المخرج وتابعوا بعض أعماله، على انه مجدد في المسرح الليبي وصاحب بصمة واضحة فيه لعدة أسباب بيَّنها كل منهما ولعل الرمزية التي توخاها العلاقي واشتغل عليها والقفزة التي صنعها للخروج من الحالة البسيطة للمسرح إلى حالته المعقدة والنخبوية هي أهم ما اتكأ عليه كل منهما في حكمهم عليه بأنه مجدد وتجريبي. عند هذا الحد تنتهي الندوة على أن يلتئم شمل المثقفين مع انشطة أخرى يتم الإعداد لها الآن من قبل الجمعية لتقام خلال ليالي شهر رمضان المبارك.

مقالات ذات علاقة

تأبين الفنان الراحل عبد الله الشاوش على مسرح معهد تقنيات الفنون

مهند سليمان

الخروبي يُقيم ورشة عمل في فن الحروفيات

مهنّد سليمان

دواية تحتفي بتوقيع مفردات المزوغي الشعرية

مهند سليمان

اترك تعليق