شاعر تشيلي عاش معظم حياته في أوروبا، كتب الشعر بثلاث لغات، رسام، مراسل حربي، مؤسس لصحف و مجلات أدبية، كاتب سيناريو، و رشح نفسه لرئاسة تشيلي. يعتبر واحدا من رواد الحداثة في أوروبا.
لأول مرة تترجم أعماله إلى العربية.
زلزلة السماء ترجمها عاشور الطويبي وصدرت في كتاب في سلسة منشورات مجلة شؤون ثقافية، الكتاب الثاني، 2010، ليبيا، ستصدر قريبا في كتاب الترجمة الكاملة لقصيدة ألتازور. ترجمة عاشور الطويبي
ألتازور تعني الصقر العالي. عنوان قصيدة طويلة بحجم كتاب للشاعر التشيلي فيسينتي هويدوبرو. تتكون القصيدة من مقدمة و سبعة أناشيد.
المقدمة من تأليف الشاعر نفسه. ورغم أن الشاعر أعطاها اسم مقدمة إلا أنها شعر خالص.
مقدمة الشاعر
ولدت في عمر الثالثة و الثلاثين في يوم وفاة المسيح؛ ولدت في الاعتدال في الهايدراىأنجيز و الطائرات في الحرّ. نظرة الحمامة الحنونة نظرتي، نفق، سيارة عاطفية. أتنهد زفرات كأكروبات.
كان أبي أعمى و يداه كانتا أكثر روعة من الليل.
أحب الليل، قبعة كل يوم.
الليل، ليل اليوم، من يوم إلى آخر.
كالفجر نطقت أمّي، كمناطيد على وشك السقوط. شعرها بلون العلَم و عيناها كانتا مليئتين بسفن بعيدة.
ذات يوم، جمعتُ مظلتي (باراشوتي) و قلتُ: “بين سنونوتين و نجم.” هنا الموت قريب مثلما الأرض لمنطاد ساقط. أمي طرّزت دموعا مهملة على أول قوس قزح.
و الآن تسقط مظلّتي من حلم إلى حلم في فضاءات الموت.
في اليوم الأول قابلت طائرا مجهولا، قال: “إذا كنتُ جملا لن أعرف العطش. ما الوقت؟” شربَ قطرات الندى من على شعري، رمى نحوي 3.5 نظرة و انطلق محييا ” وداعا” بمنديله المغرور.
حوالي الثانية بعد الظهيرة، قابلت طائرة مبهجة، مليئة بقشور السمك و المحارات. كانت تبحث عن ركن في السماء لتحتمي من المطر.
هناك، بعيدا، كل القوارب راسية في حبر الفجر. واحد بعد واحد جاءوا طليقين من صباحاتهم، يسحبون أعلاما مثلثة لفجر أكيد كالأعلام الوطنية.
فيما انجرف الفجر بعيدا، اختفى وراء موج في غاية الانتفاخ.
ثم سمعت صوت الصانع، الذي لا اسم له، هوّة بسيطة في فراغ، جميل كسرّة.
“خلقت صوت الاصطدام العظيم و ذلك الصوت شكَّل المحيطات و أمواج المحيط.
“ذلك الصوت سيرتبط إلى الأبد بموج البحر، و إلى الأبد سيرتبط موج البحر بذلك الصوت، مثل طوابع البريد لبطاقة بريدية.
“ثم ظفرت سلكا عظيما من أشعة مضيئة، لخياطة كل يوم باليوم الذي يليه؛ الأيام بأفجارها الأصلية أو التي أعيد تركيبها.
“ثم نقشتُ جغرافية الأرض و خطوطَ اليد.
“ثم شربتُ قليلا من الكونياك (لأسباب هايدروغرافية).
“ثم صنعتُ الفم، و شفتي الفم لأحدّد الابتسامات الغامضة، و أسنانا للفم، تحرس ضد الوقاحات التي تأتي لأفواهنا.
“خلقتُ لسانَ الفمِ الذي أخذه الانسانُ من خاصيته ليجعله يتعلّم الكلام…. إليها، إليها، السابحة الجميلة، أُخِذتْ بعيدا من خاصيتها المائية و الحسية إلى الأبد”
بدأت مظلتي تسقط دائخة. هذه قوة جدب الموت، القبر المفتوح.
عليك أن تصدقه، للضريح قوة أكثر من عيني العاشق. الضريح المفتوح بكل ألقه. و أقولها لكِ، انت من ضحكاته تلهم أفكار أصل العالم.
وقعت مظلتي على نجم محترق واعيا يستمر في فلكه، كأنه لا يدري عبث هكذا جهد.
و مستفيدا من الراحة المستحقة، بدأتُ أملأ المربعات الصغيرة لشطرنجي بتأملات عميقة:
“القصائد الحقيقية نيران. الشعر ينتشر في كل مكان، فتوحاته تضيء برعشات المتعة أو الألم.
“على المرء أن يكتب بلغة ليست لسان أمه.
“الأربع علامات الرئيسة ثلاثة: الجنوب و الشمال.
“القصيدة هي الشيء الذي سيكون.
“القصيدة هي الشيء الذي أبدا لا يكون، لكن وجب أن يكون.
“القصيدة هي الشيء الذي لم يكن أبدا، الذي لن يكون أبدا.
“اهربْ من الظاهر المهيب، إذا لم ترغب في الموت مسوى بالريح.
“إذا لم أقم بعمل جنوني و لو لمرة واحدة على الأقل سأجن.”
ممسكا بمظلتي، أقفز من حافة نجمي المسرع إلى طبقة الستراتوسفير للزفرة الأخيرة.
أتحرك إلى ما لا نهاية فوق أجراف الأحلام، أتحرك عبر سحب الموت.
أقابل العذراء، جالسة على الوردة، تقول:
“انظر إلى يديا، شفافتين كمصابيح. هل ترى الأسلاك حيث يسيل دم ضوئي النقي؟
“انظر إلى هالتي. بها عدة تشققات، دليل على قدمي.
“أنا العذراء، العذراء بلا لطخة بشرية، لا شيء عني، و أنا قبطانة أحد عشر ألفا آخرين، الذين في الحقيقة أعيد ترميمهم بشكل كبير.
“أتحدث بلغة تملأ القلب على حسب قوانين السحب المبلغة.
“دائما أقول وداعا، و أبقى.
“حبني، يا ولدي، لأنني أعشق شعرك و سأعلمك المهارات الجوية.
“أنا في حاجة للملاطفة، قبّل شعري، غسلته هذا الصباح في غيوم الفجر، و أود الآن أن أنام على فراش الرذاذ العارض.
“نظراتي في الأفق سلك ترتاح عليه طيور السنونو.
“حبّني.”
ركعتُ على ركبتي في ذلك الفضاء المدوّر و قامت العذراء و جلستْ على مظلتي.
نمتُ، ثم قرأتُ أغلب قصائدي الجميلة.
لهبُ شِعري جفف شَعر العذراء. شكرتني و انطلقتْ، جالسة على وردتها الناعمة.
و ها أنا، وحيد، يتيم صغير لسفن محطمة مجهولة.
أوه كم جميل…كم جميل.
يمكنني رؤية جبال، أنهار، غابات، بحار، قوارب، أزهار، محارات بحرية.
أستطيع أن أرى الليل و النهار و محور التقائهما.
أوه نعم أنا ألتازور، الشاعر العظيم، بلا فرس، يأكل طعام الطيور أو يدفيء حلقه بأشعة القمر، فقط بمظلتي الصغيرة مثل شمسية ملونة تغطي الكواكب.
من كل حبّة عرَق على جبهتي اعطي ميلاد النجوم، التذُّ، اتركُ لكِ مهمة التعميد مثل زجاجة نبيذ مراق.
استطيع ان أراه كل شيء، عقلي مصاغ على السنة الأنبياء.
الجبل زفرة الإله، صاعدة في ترمومتراها المنتفخ حتى تلمس أقدام المحبوب.
هو من رأى كل شيء، من يعلم كل الأسرار دون أن يكون والت ويتمان، لم تكن له أبدا لحية بيضاء مثل ممرضة جميلة و جداول مجمدة.
هو من يسمع في الليل مطارق مزوري العملات، هم فقط الفلكيون المجتهدون.
هو من يشرب كأس المعرفة الدافيء بعد الطوفان، مطيعا لليمام، و هو من يعلم طريق التعب، يقظة الغليان التي تتركها السفن وراءها.
هو من يعلم مخازن الذكريات، للفصول الحميلة المنسية.
هو، راعي الطائرات، دليل الأقطاب المختلفة لليالي المفقودة و الرياح الغربية الخبيرة.
نشيجه ترميش شبكة النيازك اللامشهودة.
ينهض اليوم في قلبه و يخفض أجفانه ليخلق ليل الراحة الزراعية.
يغسل يديه في نظر الإله، يمشط شعره كالضوء، كحصاد تلك الحبوب الرقيقة للمطر المشبع.
الصيحات تهيم كقطيع فوق الهضاب عندما تنام النجوم بعد ليلة عمل متواصلة.
الصياد الجميل يواجه حفرة الماء الكونية من أجل الطيور البلاقلب.
كن حزينا كالغزلان أمام اللانهائي و النيازك، كالصحارى بلا سراب.
إلى أن يظهر فم منتفخ بقبلات لمنفى معتق.
كن حزينا، لأنها تنظرك في ركن هذا العام العابر.
ربما في نهاية أغنيتك التالية، ستكون جميلة كشلال حر و غنية كخط الاستواء.
كن حزينا، أكثر حزنا من الوردة، ذلك القفص الجميل للنظرات و النحل القليل الخبرة.
الحياة رحلة مظلة باراشوت و ليس كما تود ان تظن.
لذا لنسقط، السقوط من عليائنا إلى أعماقنا، لنترك الهواء ملطخا بالدم، و من يتنفسه غدا سيتسمم.
داخل نفسك، خارج نفسك، ستسقط من أعلى إلى أسفل، لأن هذا قدرك، قدرك البائس. و كلما كان علو السقوط كبيرا كان الإرتداد أعلى، و بقيت أطول في ذاكرة الحجر.
لقد قفزنا من بطن أمنا، أو من حافة نجم و نحن نسقط.
أوه يا مظلتي، الوردة الوحيدة المعطرة في المجال الجوي، وردة الموت، تتعاقب عبر نجوم الموت.
هل سمعته؟ الصوت الشرير للصدور المقفلة.
افتح بوابة روحك و اخرج و تنفس. بزفرة يمكنك أن تفتح البوابة التي أحتاجت إلى إعصار لقفلها.
ها هي مظلتك، أيها الرجل، بديعة كدوار.
ها هي مظلتك، أيها الشاعر، بديعة كفتنة الهوة.
ها هي مظلتك، أيها الساحر، بكلمة منك يمكن أن تتحول إلى مظلة، بديعة كصدمة برق الذي يحاول أن يعمي الصانع.
ماذا تنتظر؟
لكن ها هو سر الغم الذي نسي كيف يبتسم .
المظلة تنتظر مربوطة إلى البوابة كحصان منفلت دائما.