الروائية راوية البوح
«رغم ما يدور من أحاديث وكلام عن كتابة المرأة، يظلُ الأدب العربي يقدم أديبات أكثر مما يقدم الأدب الغربي»، يقول المُؤرخ والأديب الناقد الليبي خليفة التليسي في ندوة عن الكتابة النسائية في ليبيا، ولعله كمُجايل مُثقف لانطلاقة الكاتبات الليبيات، ومن موقعه كمسؤول بوزارة الأنباء والإرشاد مطلع ستينيات القرن الماضي، قد انتبه لانطلاقتهن الثقافية والمجتمعية.
نموذج ذلك كاتبات الرواية الليبية اللاتي نهضن منذ ستة عقود من خلفية اعتمدت في مُستهلها على الانخراط المثابر في مجالات العمل الصحفي مقالات واستطلاعات وحوارات من جهة، والمُشاركة المدنية الفعالة في دعم انطلاق المرأة مُجتمعياً لتشق طريقها في مناحي عدة من جهة أخرى، لذلك سنلحظ أن أغلبهن تناولن قضايا المرأة التحررية عبر مقالاتهن واستطلاعاتهن والتي أثارت أسئلة الخروج عن المألوف بقياس تلك المرحلة التي شهدت فيها ليبيا استقلالها عام 1951، وأضفن لذلك أيضاً أن احتضنت الصفحات الصحفية سلسلة حلقات وثقت للنشر الأول لمنتجهن الروائي والقصصي، وتلك كانت ميزة ألقت بظلالها على حراكهن ما عكس انتعاشة مشهد الثقافة والأدب حينها خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، وهو ما سيشهد عقبها قطيعة أعلنها النظام السابق عام 1973 بإعلانه التأميم الحكومي للثقافة، وإيقاف كافة القوانين المعمول بها قبله، وإعلان الثورة الثقافية، حسب نظريته ومنهجه الشمولي، ويرصد الناقد عبد الحكيم المالكي المشهد الروائي الليبي إحصائياً في دراسته لجماليات الرواية الليبية فقد رصد صدور أربع روايات في الستينيات، وسبعة عشر رواية في السنوات الأربع الأولى من السبعينيات وبعدها حدث عزوف في باقي سنوات السبعينيات وصدرت روايتين فقط، وعاد النشاط الروائي مع بداية الثمانينيات باثنتي وعشرين رواية ما يعادل السنوات السابقة كلها، وعقبها هناك من استمر من الروائيين ومنهم من توقف، ولعل سبب ذلك الإكراهات السياسية والمناخ النابذ لكل ما من شانه إعلاء مكانة الانشغال الثقافي بصوره المختلفة.
وهنا نطرح سؤال راهن الروائية الليبية بما أنتجته الكاتبات مؤخراً، وكيف يرى ذلك الكُتاب والنُقاد مع المتغيرين السياسي والثقافي عقب ثورة فبراير 2011 بما فيها من تداعيات وما لها من مآلات.
جيل الريادة: هذه أنا
يستعيدُ القاص والروائي أحمد ابراهيم الفقيه مشهد مُبتدأهن الروائي في معرض أجابته عن سؤالنا، وهو المشهد الذي افتتحته الأديبة مرضية النعاس بروايتها «المظروف الأزرق» ما نشرتهُ مُسلسلا في مجلة «المرأة» مُنتصف الستينيات، ثم شريفة القيادي بروايتها «هذه أنا» ونادرة العويتي برواية «المرأة التي استنطقت الطبيعة»، الفقيه – المُعاصر لجيلهن وقتها، والذي نشر مقالاتٍ تحت اسم «ليلى سليمان» في السبعينيات عبر جريدة الأسبوع الثقافي وحفظ تلك المقالات الثقافية بذات الاسم المُستعار ضمن إصداراته – عبر عن غبطته الشديدة لأن يصبح المشهد السردي الليبي عامراً بتلك العطاءات الثرة، مُعللاً ذلك بأن ضلعاً كان سينقص في المعادلة الأدبية الليبية بغياب التعبير النسائي، جازماً بأنهُ لا مسافة ولا حواجز بين أدب يكتبهُ رجل أو امرأة، مُستدركاً بالقول: لكنهُ من الناحية الرمزية مُهم، فغياب المرأة في الأدب السردي قصيراً وطويلاً كان يعكس غياباً في الحياة العامة للمرأة، وفراغاً كان يجب أن لا يبقى هكذا، وإنما لابد أن يتحقق هذا الحضور الإبداعي ليُحقق ما نرجوه لوطن مثل ليييا من توازن حضاري رجلاً وامرأة، شرقاً وغرباً، ريفاً ومدينةً، ساحلاً وصحراء،لا أن تبقى بعض البقاع كأنها جيوب تخلّف وتأخّر، وبالذات المرأة، فالمقياس الذي لا يخيب في قياس التدرج الحضاري في أي مجتمع هو مقياس المرأة ووضعها وشروط معيشتها ومدى احترامها وتمكنها من حقوقها مع الرجل.
هذا المقياس الذي لا مقياس غيره لتحضر أي مجتمع، وأعتقد أن المشهد الأدبي الليبي قصة وشعراً ومسرحاً، بل والمجال الفني أيضاً رسماً وموسيقى وتمثيلاً في السينما والإذاعة، قد تعزّز بوجود عدد كبير من أصحاب المواهب من النساء وهو جانب إيجابي وصورة مُبكرة مُشرقة.
مظروف مرضية الاستثنائي
ويخص الناقد والروائي أحمد الفيتوري رائدة الكتابة الروائية مرضية النعاس بتعليقه مُلتقطاً مُشتركها التاريخي مع الكاتبات العربيات المُبكرات، كما ويُلفت نظرنا إلى أنها كتبت روايتها الأولى «المظروف الأزرق» في نفس الفترة التي خرجت فيها رواية ليلى البعلبكي في بيروت «أنا أحيا»، والتي ظهرت في مرحلة الستينيات، مرحلة الطليعة المتمردة، هذا الأدب الذي وُسم صحفياً بأدب الأظافر الطويلة، ويُضيف الفيتوري: أن هذه الكتابة تُحيلنا أيضاً إلى أن المرأة الليبية ساهمت في الكتابة الصحفية والأدبية مُبكراً مثل الصحفية والمُربية والشاعرة الغنائية خديجه الجهمي (التي عُرفت بـ: بنت الوطن) لعل هذا ما ساهم في طليعية الأدب النسائي الذي اتسم بالبوح ومس المسكوت عنه، وخاصة الشاعرات، مثل فاطمة محمود وسامية المسماري اللتين اتسم شعرهما بالجرأة والحداثة، ولذلك نجد الرواية الوحيدة لفوزية شلابي «رجل لرواية واحدة» اخترقت المحظور (تابو الجنس) في رواية تتسم بالتكثيف والشعرية، وعليه فإننا نجد الروايات النسائية قد تناولت المحظورات في الآونة الأخيرة أيضا ما نقاربهُ عند وفاء البوعيسى ونجوى بن شتوان.
ولنا أن نُشير قبل مواصلة استقصاء آراء وقراءات ناقدة لما نشهده من فورة ونشاط في الكتابة الروائية للكاتبات الليبيات إلى ما وكده الناقد التونسي بوشوشه جمعه، في إصداره «الرواية الليبية سيرورة التحولات ومعجم الكتاب» (صدر 1990)، حول ما تعانيه وتعيشهُ الرواية الليبية من غُبن داخل ليبيا وخارجها يتجلى في قلة الدراسات النقدية الخاصة، كما يُحيطنا علماً بأننا لن نجد لها ثبتاً يرصد تطور مسارها منذ النشأة مع مطلع الستينيات وحتى اليوم، كما لن نعثر على مقاربة نقدية رامت تصنيف نصوصها، واعتبر بوشوشه أن جنس الرواية في عمومه لم ينل حظه من الاهتمام النقدي الذي هو جدير به رغم ما شهدته سيرورته من تطور كمي ونوعي ومن تبلور اتجاهاتها الفكرية والفنية.
الرواية التالية.. فوزية شلابي رواية واحدة لرجل واحد
الشاعرة والروائية فوزية شلابي من برزت سيرتها الأدبية كطالبة في مناخ الجامعة بطرابلس الغرب، ضمن الأنشطة الطلابية مُنتصف السبعينيات، إذ بانت مُتمردة بفلسفتها ما درستْ كتخصص بكلية التربية، وما أطلقت من أفكار جارت فيها نماذج لكاتبات عربيات آنذاك كنوال السعداوي وغادة السمان، وقد علت نبرتُها في مقالاتها الجريئة بأول جريدة ثقافية أسبوعية (الأسبوع الثقافي التي ترأسها الصحفي والسياسي عبد الرحمن شلقم)، وستُصدر عام 1985 روايتها الأولى «رواية لرجل واحد»، ويكتب الناقد التونسي صلاح الدين بوجاه أن الكاتبة فوزية شلابي تمثل صوتاً نسوياً جريئاً قادراً على تقديم استفهامات غرضية ذات بعد حضاري، نفسي، تقوم على جملة من القضايا المتفجرة الدائرة في فلك علاقة المرأة بالرجل، واستفهامات أخرى فنية نابعة من تراتب الوظائف وتعدّد الشخصيات وكثرة الرموز في روايتها الأولى، معتبراً ما أضافته يمثل نقلة في مشهد الرواية كونه أسلوب جديد في الكتابة ناتج من فنون متعددة مثل الشعر والقصة القصيرة والموسيقى والرواية، إذ تولف شلابي بينها جميعاً ضمن كُل مبتكر من أشكال القصة يسهم في تلوين المشهد السردي و يكسبه ثراء وتنوعاً.
نُشير إلى أنهُ في مرحلتي آخر السبعينيات إلى أول التسعينيات أصيبت الحياة الثقافية بليبيا بشُحٍ وقطيعة في مجال الطباعة والنشر الحكومي مع منع وحجب الرخص عن المطابع الخاصة، وسيصبح على كل من يرغب في نشر إنتاجه أن يتحمل ذلك على حسابه الشخصي طباعة وتوزيعاً!، وعلى ضوء ذلك هناك من بادر، وهناك من تعذر عليه ذلك لأسباب مادية تجاذبتها الأوضاع الاقتصادية لليبيين في سعيهم لتوفير مُتطلبات الحياة الأساسية، لتُصبح الثقافة وشؤونها مطلباً بعيد المدى!، وذلك ما أظهر قلة ما نُشر من نتاج ثقافي بعمومه، وروائي لهن أيضاً.
فاجعة نجوى بن شتوان!
تُطل الروائية نجوى بن شتوان بروايتها «وبر الأحصنة» والتي تقوم على تيمة البحث عن عشبة تمنع الفاجعة حسب توجس الأم، نتاج حلم ابنتها بطلة الرواية «اعويشه» التي نتابع سيرتها، وفي قراءة للناقد سعد الحمري يُقرر فيها أنها رواية نسائية ارتبطت ارتباطاً غائماً بتجربة الكاتبة في الحياة وضمن حدود المكان.. ولأنها كذلك فإنها مارست لعبة ملاحقة العلل فهي تخرج بنا من نفق لتدخل نفقاً آخر، وكأنها بذلك تتبنى وجهة نظر المفكر الفرنسى «ألتوسير» الذى يُصر على أن المشكلة لا يُمكن حلها دون حل الإشكاليات المرتبطة بها.
ويفسرُ الحمري ما يصفه بالعلة، وهو إصرار نجوى بن شتوان على أن تفتش على الإشكالية الكامنة في كل ظاهرة ووضع اليد على العلة، ويرى أن نجاحها تحقق عند أبراز هذه الإشكاليات من خلال منولوج داخلي مُرتئية أن هذه التقنية هي خير وسيلة للكشف عن التعارض القائم بين كونها أنثى وبين العالم الخارجي الذي يحتوي هذه الإشكاليات. ويُجزم الحمري أن رواية «وبر الأحصنة» تُمثل سيرة المعاناة للمرأة واضطهادها، ويخلُصُ في تلك القراءة إلى أن نجوى قدمت في هذه الرواية لعبة التداعي من خلال استثمار واعٍ لانتقال الأزمنة، وتثمير مناطق اللاشعور من خلال احتفائها بشعرية السرد، حيث تصبح الذات منطلق الروائية والروائي، وحين يغدو الوجدان مُنعكسا لتأزم هذه الذات الروائية التي تتحررُ من السرد التقليدي مُكونة مركزاً هاماً لاستبطان وجهة النظر.
ضياع وفاء البوعيسي!
«رواية تقوم على شعور بالضياع وإحساس عميق بالنبذ والإقصاء، وبالتخلي، وشعور بالنقص والدونية»، هكذا يُعرف الناقد المغربي محمد معتصم رواية وفاء البوعيسى «للجوع وجوه أخرى» روايتها الأولى المُثيرة للجدل كونها لامست تابوهات الدين والجنس والسياسة، مُعتصم يراها تُلقي بظلالها على أبعاد تاريخية اجتماعية، وسلوكية ثقافية، وأنها رواية حافلة بالقضايا الاجتماعية والتربوية والسياسية في البلاد العربية، وذات قدرة كبيرة وجرأة على طرح ما تسكت عنه أقلام كثيرة، وتعالج كذلك وضعية المرأة في البلاد العربية، البلدان المحافظة التي ترى في كل سلوك تأتيه المرأة عاراً، و انتهاكاً لحرمة الدين والمجتمع والأسرة.
وفي معرض ردها على حملة رأي تقصّدت حجب الرواية ومُعاقبة صاحبتها، دافعت البوعيسى أن عنوانها «للجوع وجوه أخرى» يبحث في الماضي الليبي في عقدي السبعينات والثمانينات، إنهُ يعلن عن أخطاء الماضي، ويطلب تجاوزها لأنها لازالت مستمرة.
رواية بوليسية لنهلة العربي
يُصنف الكاتب رامز النويصري رواية نهلة العربي الأولى «الساحر» بالرواية البوليسية لاعتمادها التشويق والإثارة والغموض، إذ تلاحق فيها جريمة فساد تحصل بمستشفى، ولكن ذلك توّه خيار نهلة كروائية، وحسب النويصري أن ذلك جرى بنية مُبيتة منها إذ انحازت للموضوع (الفساد) وأهملت العناية بالبنية الفنية للرواية، ورغم ذلك فإن نجاح الرواية موضوعاً لا يُفقدها قيمتها كعمل روائي ليبي، واضح التأثر بمحيطه. وكون عملها الروائي الأول جاء عقب ثورة فبراير 2011، فإن نهلة تجيب عن سؤالنا راهن الرواية إذ تمثل مع جيلها الشاب واجهة من طالبوا بالتغيير منحاً للحقوق والحريات المُغيبة، وتصارحنا نهلة أنه بعد الثورة سقف الحريات أصبح أعلى، ولكن بشكل غير مستقر، وحسب ظنها فإننا نمرُ بحالة تتشكل فيها الصورة النهائية لما سيكون عليه الوضع في السنوات المقبلة، وأن ثمة حالة من التخوف من سيطرة تيار بعينه على المشهد.
في مديح الطابق السفلي
الكاتبة حواء القمودي اعترفت لنا أنها دخلت أجواء الرواية الأولى «صراخ الطابق السفلي» للناقدة فاطمة الحاجي ذات الخمسة عشر فصلاً، مُدججة بالخوف من الشراك والفخاخ التي وجدتها تنفتح خلال كل فصل تُطالعه، فالحاجي تبحث في السؤال المواجهة بين الحب والحرب وتؤثت السرد الذي يتشظى ثم يتجمع لتتوالد الأحداث بتوثيق رسائل الوجع والألم والعبث، فالرواية في فصول منها تستند إلى شهادات جنود ليبيين ورّطهم نظام القذافي في حربه بتشاد وتقوم الروائية بترجمة تلك الشهادات عن الانجليزية والفرنسية لأول مرة.
تعتمد فاطمة الحاجي في بنية روايتها أقوالاً مُختزلة على لسان الراوي العليم وكذا شخصياتها، تُظهر خلاصة تجربة أو موقف، وكأننا إذ نطالع تلك المقتطفات نستشف أن كتابة رواية في مرحلة عمرية مُتأخرة تعكس رؤية من عارك الحياة وعاركتهُ، وهنا المرأة بخصوصية تجربتها وانعكاس أثر تلك التجربة ضمن مسرودها، تكتبُ الحاجي: «… ما أكثر وجع اللحظة حين تكون أنت الخاسر رغم الكسب، أنت الكاسب والخاسر في الوقت نفسه…»، «لا أحد يُكرم المُغتصبات و لا الضحايا عبر التاريخ، التاريخ يكرم المحاربين فقط»، «… لا أؤمن بالتاريخ علماً، لأنه لا يحكي عن تاريخ بنات جنسي، و يُهملنا تماماً فهو ليس علماً، إن التاريخ انتقائي رغم أهميته، فهو يسير حسب أهواء المنتصرين…»، «لا تبع نفسك رخيصاً، وأنت نفيس جداً في عيني الحق»، «كل الناس تتقاتل لتمتلك الأشياء ثم ترحل وتتركها، ولا تكتشف أن الأشياء هي المالكة…».
فريدة سيرة مكان
الروائية فريدة المصري تُشير لنا في تصريح خاص أن روايتها الأولى «أسطورة البحر» هي سيرة المكان، بطلتها مدينة طرابلس بدون منازع، حيث المعالم التاريخية والدينية والفنية والثقافية، ولكننا لا نستطيع انتزاع المكان من أزمنته التي تعاقبت عليه، لكن القراءة النقدية للشاعر عمر عبد الدائم ولراهن الرواية الليبية وفي عقدها مؤخرا تُلمحُ إلى أن الكاتبة الليبية لم تستطع بعد التحرر من قيودها المجتمعية بدرجة كبيرة، لذلك اتجهت معظمهن للكتابة المكانية أو الزمانية التي لا تصطدم بلاءات المجتمع والدين والسياسة، وأن هذه اللاءات متجذرة في المجتمع الليبي بحيث لم يستطع حتى الكُتّاب «الذكور» تجاوزها إلا ما ندر، وفي معرض إضافته يستدرك بأنهُ قد يمثل مكسباً عند تصنيفنا لحال ونوع الكتابة الروائية الليبية فهن يكتبن إبداعاً، فيكفي أن نقرأ رواية فريدة المصري «أسطورة البحر»، أو رواية عائشة إبراهيم الأولى «قصيل» لنكتشف الحس الجمالي والرؤية الإبداعية للرواية المكانية، حيث تتحدث الأولى عن «طرابلس»، والثانية عن «بني وليد».
الشاعرة التي تكتب رواية
فيما تدوّن أولى روايتها الاغترابية «يحدث» فإن الشاعرة عائشة المغربي تبوحُ لنا بسر تحولها من الشعر إلى القصة، للرواية الأولى وأن ذلك جرى بدافع ترسيخ حرية الإبداع وتوطين ثقافة المساواة، والخروج من ثوب التابوهات والمحرمات، ورفض هيمنة التيارات الأصولية، والدفاع عن الهوية الإنسانية في قيمها الخالدة هي الأهداف السامية ما نحاول رسمها من خلال الكتابة الإبداعية، وفي روايتها «يحدث» تنتقل بمتوالياتها السردية بين بنغازي وباريس، وهي فترة دراسة جامعية عُليا قضتها الشاعرة في فرنسا.
غياب الجنوبية!
ومن جنوب ليبيا تطلعُ روائيةُ مركزها الجغرافي «سبها» عائشة الأصفر أستاذة علم النفس بالجامعة، إذ تنتقي عنواناً روائياً يعتمدُ اللهجة المحلية «من اللي قتل الكلب» تلاحق فيه سيرة بطلتها التي يكشف لها محيطها الجامعي ما غمض عنها مُشكلاً صدمتها الأولى في مواجهة واقعها، وتكون روايتها الثانية «خريجات قاريونس» لتذكرنا بتناصها مع رواية «بنات الرياض» للسعودية رجاء الصانع حيث تنشغل الأصفر بتاء التأنيث وتضعها ضمن عوالم من العلاقات المتشابكة والحاملة لشجون وأسرار تفضي بها إلى مواجهة النسق الاجتماعي المنضبط ومحاولة الانتصار لصالح التغيير.
وفي الختام ربيع المرأة المبدعة
الروائي والناقد سالم العوكلي يؤكد أن مكسب المشهد الروائي للكاتبات هو الطرح الجريء من بعضهن فيما يخص مقارعة التابوهات التقليدية، الديني والجنسي خصوصاً، وحسب العوكلي هو منحى تميز به الإبداع النسوي في الأمكنة الأكثر قمعاً، اجتماعياً وسياسياً، للمرأة. ففي هذه التجارب لم يبرز أي نوع من لافتات النضال الجندري التقليدي الذي ميز الكتابة النسائية لفترة طويلة، ولكن كان ثمة تحد في طرح الأسئلة الإنسانية الكبرى، وأن الهاجس الجندري في هذه الحالة مخفي في الممارسة والتجربة الإبداعية نفسها وليس في الخطاب أو في مضمون العمل الأدبي أو في الشكوى، أما الناقد أحمد الفيتوري فأضاف لنا ما احتسبه مكسباً آخر في معرض أجابته استقصائنا هذا حول مراجعتنا الراصدة لراهن مسارات الكتابة الروائية لأديبات ليبيا منذ رواياتهن المُبتدأ، من أن النتاج الروائي ما بعد ثورة فبراير بالنسبة للكاتبات فيه إضافة كمية ونوعية، مُرجعا ذلك إلى ما منحهُ الربيع العربي من فضاء رغم ما يظهر من عسف وعنف تجاه المرأة في هذه المرحلة لكن الربيع العربي أيقظ النفوس المقهورة لتقل ما لم تقله.
_________
نشر بموقع المستقل