الثلاثاء, 22 أبريل 2025
شخصيات

وداعا العمَّ العزيز «رضا بن موسى»

المكي أحمد المستجير صحبة الكاتب الراحل رضا بن موسى
المكي أحمد المستجير صحبة الكاتب الراحل رضا بن موسى

رأيتُه أوَّل مرَّة، قبل 13 عاما، في إحدى جلسات نادي الكتاب بطرابلس. دخل وحيدًا، ويداه في جيبه، وتسلَّل دون ضجيج، ليجلس بأطراف الطاولة، مُنصتًا، دون كلام. لم تغادر البسمةُ – طوال الجلسة – وجهه الملائكي. كانت بسمةً ممزوجة بسعادة وفخر. لعلَّه كان مسرورًا باجتماع شبابٍ وشابَّاتٍ، في مكان عام، ليُناقشوا كتابًا فكريًّا، وليُفصِحَ كلٌّ منهم عمَّا في ضميره، بحريَّة!

بعد الجلسة، اقترب مني، وسلَّمتُ عليه، وتعارفنا تعارفًا سريعًا، وحين علمَ أنِّي من درنة، ابتسمَ، والتفتَ يمينًا ويسارًا، كأنَّه يبحث عمَّن يُشاركه فرحته، ثمَّ سألني عن الأديب الدرناويِّ الفنَّان أ. «احمد بللو». وعلمتُ لاحقا أنَّهما رفاق سِجنٍ وشَجَن.

بعد ذلك، توطَّدت العلاقة، وصارت النَّفسُ تأنس برؤيته في النشاطات الثقافيَّة التي لم يغِب عنها؛ مُحاضرًا، ومُسيِّرًا، ومنظِّمًا، لاسيَّما بعد تدشين الجمعية الليبية للآداب والفنون. لم يبخل يومًا بنقده أو نصحه، أو ترشيح كتاب أعجبه، أو إحالة مقال يراه مهمًّا، أو إشادة بلقاء تلفزيوني أو مقال ثقافي للفقير كاتب السطور.

كان جميل المعشر، لطيف الحضور، واسع الصدر، يقبل الاختلاف ويُشجِّع عليه. سألته مرَّة عن سجَّانيه، فأخبرني أنَّه لا يجد في قلبه ذرَّة كُره لأحد، أو حقدٍ على أحد.

عرفه رفاق صباه ناشطًا ثقافيًّا بالأندية الرياضيَّة، ومسرحيًّا بطرابلس، وخبره رفاقه مناضلًا وطنيًّا طُلَّابيًّا ببنغازي، وسجينًا سياسيًّا، وجرَّبه زملاؤه كاتبًا جريئا، وصحفيًّا مِقدامًا، ومحرِّرًا ماهرًا.

لكنَّ جيلنا عرفه قارئا نهِما، وناقدًا ذكيًّا. كان واسعَ الاطلاع إلى حدِّ العجب. أذكرُ صدمة صديقي محمَّد السنوسي حين فاجأنا أ. Redaرضا بن موسى باطِّلاعه على كتاباتِ الشيخ الأكبر، وطبعات الفتوحات، ثمَّ لاحقا بمعرفته الكبيرة لمشروع سرُّوش، ويحيى محمَّد، وهما مفكِّران مجهولان في بيئتنا. وتساءل السنوسي: من أين له الوقت ليقرأ كل هذه الكتب؟!

اللقاء الأخير، كان قبل عامٍ وشهر، في حفل تأبين الأديب النبيل، والمثقف الفاعل؛ رفيقه «إبراهيم حميدان» الذي أقيم بالقبَّة الفلكيَّة (يناير 2024م). تحدَّثنا عن مواضيع متفرِّقة، كان أحدها كتاب «أرسان الروح»: السيرة الذاتية للدكتور نجيب الحصادي، أعقبه حديثٌ شجيٌّ عن النضال الطلابي، واستدراكات على الأرسان. وأذكر أنِّي قلتُ له: “متى سنقرأ كتابَك؟ فأنت من جيلٍ لم يكتب سيرته بعد“.

رحل بن موسى، جَسَدِا، وخلد ذكرى طيبة في نفوس من عرفه، ومحطة مائزة في التاريخ الثقافي والسياسي المعاصر. وإنَّنا من قومٍ يرى في الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك؛ ليلة النظرة، وأنَّ وفاته بها؛ فألٌ حسن.

تغمَّده الله بواسع رحمته، وجزيل مغفرته، وألهم أحبابه الصبر والرضا والسلوان، وكان الله في عون الصديق نوري البوسيفي فقد براهُ الفقدُ، وأضناه السهد، ولمَّا يستفق. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

غرَّة شهر رمضان المُبارك، لعام 1446هـ

مقالات ذات علاقة

فؤاد الكعبازي.. الموسوعي والأديب والفنان

المشرف العام

المحترم…!

المشرف العام

حدث في مثل هذا اليوم: رحيل الكاتب الساخر محمد طرنيش

محمد عقيلة العمامي

اترك تعليق