الإثنين, 21 أبريل 2025
النقد

إلى أبناء المحروق، أبناء ليبيا المنسية- أيضا-في الطين

الشاعر الراحل سعيد المحروق.
الشاعر الراحل سعيد المحروق.

كانت بالجبل الغربي بوابة جهنم كما أحبيت أن أداعب صديقي الشاعر الجيلاني طريبشان الذي أقام هناك منذ عودته من منفاه الاختياري في بغداد وحتى ساعة رحيله، في “فساطو” المدينة التي ولد فيها شاعر الوطن الليبي أحمد رفيق المهدوي المحتفى بمئوية مولده 1998م.

أهديت ورقتي البحثية المشارك بها في تلكم المناسبة لروح الشاعر الصديق سعيد المحروق والى جيلاني طريبشان الحاضر آنذاك.

المحروق كما طريبشان من جيل ما بعد الرواد، رواد الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة الذين جلهم ماركسيون امميون، لهذا لم يخطر في البال أن سعيد المحروق صديقي أمازيغي أو “بربري” – الاسم الذي لا يحبون أن يعرفوا به -، كتبت عن المحروق عن شعره وعن جمعه لحكايات ليبية وكان يكتب بعربية فصيحة تلكم الحكايات الشفهية كما كل كتاباته. وافتح قوسا لأشير الى اني لاعتقد أن هناك لغة مثل العربية من ساهم في تطويرها وتجويدها الاثنيات التي عاشت في كنف الحضارة العربية الاسلامية.

على أي حال فور انتهاء الجلسة الاولى من ملتقى مئوية رفيق حتى وجدت تله من الشباب يحتفى بي، استضافني سعيد المحروق ميتا كما كان يستضيفني حيا، فإن إهداء ورقتي البحثية الى روحه كان وراء هذا احتفاء من قبل جماعة تكن للمحروق باعتباره الابن الضال الذي هجر لغته الامازيغية للغة الغرب.

هكذا وجدت سعيد المحروق ابنا ضالا دائما حيا وميتا وسعدت بصداقتي لابن كهذا، الذى اعتبرته السلطة السياسية والاجتماعية والاثنية ضالا ومن المغضوب عليهم.

عقب خروجي من السجن مباشرة زارنا الشاعر محمد عفيفى مطر وكنا معا في فندق اجنحة الشاطئ بطرابلس الغرب حين طلبنا لمقابلة شخص في انتظارنا في سيارة خارج الفندق ولا يستطيع الحركة هو سعيد المحروق المصاب بشلل في النصف السفلى من اثر حادث سيارة من جاء مرحبا بنا، في اتقاده وحيويته لم نلتفت لمصابه الذي تجاوز العقد من الزمان.

هذا بعض ممن هو السعيد؛ المحروق، المنسي، في جوف الطين.

متململ من التقعيد الكامن في اللغة وفى بنية القصيدة العربية، حتى تبدو قصيدته نثرية رغم التفعيلة الظاهرة “، يهتم المحروق بقضية الحداثة الشعرية وقصيدة النثر انما عمله المشغلي قادم في شكل اخر هو اللغة “عادة اللغات في الأزمة الخوفية؟ “

ولعل وراء هذا المشكل تيه المحروق الذي هو “الثور المنسي في جوف الطين.”

وقد يأخذه هذا المشكل عن الشعرية. أن حسه وحدسه تائهان في صحراء هذه اللغة / القواعد التي لا حدود لها ولا حد، التي تزور الحس وتنتحل المنطق في مواجهة الحدس.

..”وان أشباه الفراشات التي

قد زورت، وانتحلت..

هوية الفراشة الحقة، بالتحوير والتدوير

هي الى أتت

على قوت الفراشات الاثير

واكلت في هذه الشموع، النور.”

وأحيانا يركن إلى ركن قصى ليمارس “الحياة السرية” بعيدا عن الاذواق الليبية وعن خطيب الجمعة، وفى مثل هذه القصيدة يسجل الشاعر تبرمه من اليومي القمعي والمكرور ويبدو هتافه محش هتاف..

“بالخلسة من كل التعليقات

علقت، ولكن بالمقلوب.”

وتبدو لغة الديوان في مثل هذه القصيدة، لغة مختصرة على الاحرف وتوالد المفردات وانبثاق السجع رغم ان: “عزرائيل يبتكر فنون الموت في صمت.”

ولأن المحروق مشغول بالقول، مشغول بالبوح، مشغول بالإفصاح، فان الموضوع يكتم أنفاس الذات، الذات التي كأنها تستغيث الاستغاثة الاخيرة فتبدو القصيدة جملة واحدة ومقاطع مكررة وصورا مضغوطة وكلاما شفهيا…

الشاعر الليبي الجيلاني طريبشان
الشاعر الليبي الجيلاني طريبشان

او كما قال:” كل الذي كتبت، او شطبت

لما يفك، بعد، عقدة اللسان.”

وهى جملة اللسان التي تحتضر في الحلق الجاف، وهى جملة حادة وقاسية لا ليونة لها”:

يبهرني الجمال، مثلما يرعبني.”

والجمالية الشعرية تبدو ليست مشروعة في هذه القصيدة/الحكي

فاجأني سؤالي الوديع:

حقيقة يعجبني؟

أجبتني:

جميع هذه الاشياء لا.. تهمني.”؟

إلخ. وتضيع هذه التجربة بين الاسئلة الوديعة والاجوبة اللائية:- يقظة نومية، أزمنة خوفية- الخ.

“ومن بعد ما نسوا . . . لكنتهم” بدأت لكنة القصيدة هجائية لا تلبس “طاقية الاخفاء”

– كما يبدو للشاعر- ولا تخفى مكشوفا، ولا تعري حقيقة، فالشاعر يظهر هجاء تراجيديا، يهجو اضمحلالا ويكشف تراجيديا هذا الاضمحلال، وتبدو اللغة/ لغة القصيدة قناعا فيه” طواف الشارع كصعود لقمة”- وتبدو القصيدة هامشا لشارح ولمتن مشروح.

” أطنب غير أنني

غنيت ما قد قلت فلتعريد الرياح”

“معذرة، معذرة، أطلق في العبارة

فاللفظ قد

ينحل في السكون أو

ينحل في الاشارة.”

ان شغل الشاعر على المفردة وعلى المشكل الجارحي/الموضوع يشغل الشاعر عن السياق وعن مستويات الدلالة للمفردة في هذا السياق، ويظهر الاطناب وتبدو المباشرة مفعول التجربة الشعرية العربية الستينية تتجلى في تجربة الشاعر. وتصير القصيدة محمولا لموضوع هي في غنى عنه، خاصة وان سعيد المحروق نحات بارز وكشاف من نوعية أبى حيان التوحيدي في اللغة والمفردة والفونيم.

وقد جاء تناص المحروق مع الحكي والحكي الشعبي تناصا فاعلا غير ان السياق المنطقي جعل القصيدة محملة بالشرح والتكرار سئما الحكي البارزتين، وهذا السياق النطقي لا يجعل الشاعر يقول نفسه لأنه يبدو مشغولا بالخارج، مشغولا بالدلالة ومشغول بالاتصال عن القصيدة، ومن هنا جاء قولنا ان القصيدة تعلق الشعرية على القول وابهام المشكل فبدا عالم الشاعر ضيقا الى حد كاتم الصوت.

الشاعر مشغول بقضيته عن بقصيدته ومشغول بقصيدته عن الشعر ومبعد للذات هذه الذات التي تظهر محصورة في عالم ضيق وتبدو مستبعدة من العالم، عالمها اليومي والشفاف الذي لاشك محمل بالشعرية أن هذا الاستبعاد القسري استبعاد للصدق وخوف من هذا الصدق. . . ” اخاف من الموت سرا، وحقا..

أخاف من الظل

والموت في اللحظات الظليلة”

فهل يطلق الشاعر سعيد المحروق من عقاله وهو الشاعر المفرد الذي يحتاج لقراءة في سياقه؟


صحيفة ميادين السنة الأولى.

مقالات ذات علاقة

تسعينيون بلا نهاية.. البحث في هوية النص التسعيني

غازي القبلاوي

رباب أدهم.. ودروب الحياة بين عمان وبيروت وطرابلس

إنتصار بوراوي

فضاء الأنا المزيّنةِ بمجراتِ الأنت

أحمد بشير العيلة

اترك تعليق