(إمتثال)
ظلَّ يلوب حول مربطه الأزلي ، ناهقاً مرة ، رافساً مرتين ، نافراً ثلاث .. ومتمرِّغاً على الأرض مراتٍ كثيرة ..
علا النهيق ، ثار الغبار ، اشتد البأس ، فار السخط .. وعمّ الأجواء ترقبٌ مرتبك ..
حين رمى السيد حفنة البرسيم ، أحنى رقبته ملتهماً العيدان الخضراء .. ثم افترش روثه …. ونام!
(محاولة)
عبثاً يحاولون تحريكه في اتجاه الساقية …
انغرزت حوافره في التراب ، وتصلّب جسده كقطعة حديد … توالت الضربات على ظهره وجنبيه ورأسه اليابسة .
دبّ الخور في ذراع السيد .
“لا جدوى ” ..
قال أحدهم عبر اللهاث المتواصل ..
“سنرى” ..
عادت الضربات قوية ، متسارعة .. نهق .. ارتجف .. اشتدّت ذراع السيد ، تصلّبت كقطعة حديد ، انغرزت حواف السوط في الجسد المكابر .. نهق .. ارتعش .. تلاشى النظر وغامت الرؤية .. وفي الضربة المائة والخمسين ، اصطكّت الحوافر ، انهار الجسد ، خمد النهيق ، وانطلق الحمار نحو الساقية!
(فلاش)
لعامين كاملين .. ظل يرسم في خيالها صورة الفحل الأول والذكر الشديد .. لقطةً بلقطة. وفي أول ساعتين معها ، مسح كل الصور وأحرق بقايا الخيال .. في لقطةٍ واحدة !
(وصول)
بحث كثيراً عن فتاة حلمه . وحين وجدها ، اكتشف أن الأحلام لا تتشابه دائماً!
(مفاجأة)
فوجئ بأن الحذاء كان صغيراً جداً قياساً لقدميه السمينتين! فوجئت أنا كيف دخل الحذاء عقله ولم يدخل قدميه!!
(حظوظ)
منذ أن صعدا الطائرة .. وهو يردد : يا حظي !
وصلا .. جذب ذراع زوجته بجفاءٍ واضح .. هبط قاطفاً ابتسامة أخيرة من ثغر المضيفة الشقراء : يا حظي !
في المطار ، الفندق ، المطعم ، المستشفى .. في الشوارع ، الطرقات ، القطارات … ظلّ يثقب وجوه بنات الروم الحمر بشعاع عينيه ، مردِّدا بقهر : يا حظي !
في اليوم الأخير ، وبينما كانا يجتازان البوابة الأخيرة في طريق عودتهما ، سقطت كلمة زوجته في أذنيه : يا حظي !
التفت .. كان موظف الجمرك الرومي يقهقه مندهشاً ، ومحاولاً إزالة ما علق بشفتيه من بقايا لونٍ أحمر .. لم يكن فيهما قبل قليل!!
(…)!!
– ياااااااه !!
(شطب)
هي فقيرة جدا ، لباسها رثّ وحذاؤها مثقوب .. لكنها حين تتعرّى ، لا يعد في الأرض ملكة سواها!
(حكمة)
فكّر كثيرا.. كثيرا : “لماذا خلق الله اليدين..”..!! لم يصل إلى جواب!
– لتأكل..!!
فكّر : أستطيع بفمي ، ككلب.
– لتضرب..!!
لا… أستطيع أن أعض كذئب وأنطح ككبش وأرفس كحمار.
لتسرِّح شعرك الأجعد… لا لا.. خميس ابن جارنا لا يستعمل مشطاً أبدا.
في خلوته اليومية ، بجانب السيفون الأحمر ، لمعت الفكرة!
… حصد الجواب بجهدٍ قاتل ، بينما كان يتلاشى مسترخياً في طوفان العرق واللهاث اللذيذ..!!
(فصل رزانة)
في الباص البطيء.. كانت الخمسمائة كيلو متر المتبقية حافزاً لكليهما لقطع حبال الضجر المشدودة بين رقبتيهما والقرية.. ودون مقدمات ، فاجأه العجوز قائلا بخبث:
– كنت في العاصمة.. ايش تعمل؟ !
– سجّلت قيدي بالجامعة..
– و….؟ !
دقيقتان فقط ، وانحلت العقدة. صارا يقهقهان ويخبطان يديهما بيدي بعض..
– نرجع مع بعض السفرة الجاية…
أبدى العجوز أراءه في جميلات طرابلس ، وفضح بلا تحفّظ محاولاته اقتناص غزالاتها النطّاطة.. أحرق هو نصف علبة مارلبورو ، ونفث كبته في حضرة العجوز بحرية واندفاع.
أحس بالارتياح… وتمنى أن يتحول كل عجائز القرية إلى نموذج متحرر مثل الحاج مندوح. لاحت لعينيه القرية نائمة في جهلها وانحطاطها… قال للحاج: خلاص.. وصلنا بقعة الخراب..
نطّت رقبة المندوح ترقب الطريق. انقلبت ملامحه ، احتقن وجهه ، اتسعت عيناه ، اسودّت شفتاه، انفتحتا ، وانفلت منهما تحذير صارخ:
– ارجع ورا.. احترم.. عيب..جيل ما يتحشم ولا يستحي !!
(صدمة)
نطّ من كرسيه واندفع مخترقاً الباب الخارجي..
فرّ الأولاد محمّلين بما غنموا من تفاحه الصغير.. تعثّر بأحدهم يحاول الهرب زاحفا.. أمسكه من تلابيبه ، جذبه إلى أعلى ، وانهال عليه صفعاً وركلاً و… صرخ فيه مهددا: “يا ويلك ترجع تسرق التفاح مرة أخرى”.. ثم قذفه غير بعيد…
تكوّم الجسد الصغير على التراب.. امتدت الذراعان الرقيقتان تشدّان الأرض ، تحاولان جرّ الجسد الهزيل بسيقانه الضامرة….
كان مشلولاً…!!!
(أكشن)
ظلام . صمتٌ مشحون بالشهوة . وتثقب الأنظارُ ما وراء الستارة!
يدٌ ما تشقُّ الستارة. فينفتح المشهد على ثلاثة رجال وامرأتين. يلتفُّ الرجلان حول ثالثٍ يفرك لحيته. يتصافحون. يجلسون دفعةً واحدة. يخفضان رأسيهما ، ويتمتم بكلماتٍ غير مسموعة..
ترتفع عشرة أيدٍ في اتجاه السقف ، تهبط ماسحةً الوجوه الخمسة. يتعانق الرجلان. تزغرد امرأة. تبكى أخرى. يختفون. ظلام…
على الجدار ، ينحسر الضوء في دائرة يتوسطها ظلاّن. يقترب..تنفر.. أكثر.. تفرّ.. ينقضّ.. يسقطان على أرضية الركح ، يتدحرجان ، تنـزاح دائرة الضوء ، تهتزّ مع حركة الظلال المتعانقة.. يندلع الفحيح ، تعلو الهمهمات ، ينفلت الهدير ، ترتجف الأضواء ، يتوتّر المشهد ، ينفجر اللهاث ، يتصاعد.. تصرخ ، ينتصب ظلّه وسط الدائرة ، ويعلو التصفيق والهتاف..!!
(وفاء)
يده ، وبعد السنة العاشرة لزواجه ، ظلّت الملاذ الأشهى لديه!!
(تأويل)
“فبدت لهما سوءاتهما”.
قبلها لم يكونا منتبهين.. العفة ليست حقيقة إذاً ، العفة قرينة السهو…!!
(تأصيل)
الأب ، الأم ، الولدان وأختاهما.. لم يكن ثمة أحد في الجوار. من أين جئنا إذاً؟
لقد ضاجعا أختيهما. لا شك..!!
(صفقة)
“مية دينار”.. “أكثر”.. “لا”… “جعوبة خايف”.. “يتهرب”…
الكلام المستفز والضحك الشامت تولّيا مهمة إقناع جعوبة. قال :”خلاص ، مية ، موافق ، والليلة، حتى تعرفوا إنه مش خوف. هات”..
قال برهوم :”باهي.. كيف نتأكد إنك دخلت فعلا..؟”.
فرمل الجميع. حكّ لسان عبد الكريم إسفلت السكوت ، قال: “باهي.. يحطّ علامة.. خذ معاك ثلاثة مسامير.. واضربهن في اللوح”..
دخل جعوبة…. وبعد وقتٍ ليس بالقصير انفلتت من جوف المقبرة صرخةٌ مبتورة..!!
فرّ الجميع ، غاصوا في حمّى الذعر ليلة بأكملها ، وفي الصباح وجدوه ملقى على وجهه بجانب القبر…
ساقه اليمنى غائصة فيه ، ومعطفه مشدود إلى اللوح بثلاثة مسامير!
—
(حدثت هذه القصة في مكان ما على هذا الكوكب!)
(حقيقة)
منطال…
كلما ناداه أحدهم ، ازداد يقينه بأن الإنسان يصبح عبدا منذ ولادته..!
(تلازم)
عصا الأستاذ وألم أصابعه جعلاه يحفظ (جزء عمّ) بإتقان تام.
عصا الأستاذ وألم عويشة جعلاه ينسى كل ما حفظه بإهمال مطلق!!
(مجرد فلسفة)
الرابعة وسبع دقائق..
للعام الثالث.. ظلت تعانق الجدار بعقربين كسيحين.. لا تتحرك ، لا تدق ، لا تعيش ، لكنها لا تكذب.. بل أنها لمرتين في اليوم تكون أصدق ساعات العالم.. على الإطلاق!!!
(حياة)
تشتاق إليه ، فتموت كثيرا . ذات خطأ ، أعطته عينيها. لم تعد تشتاق إليه..!
(منطق)
الليل: أنت لست مثلي. أنت عارٍ تماما.
الصباح: عريي طاهر وسفوري برئ ، احتجابك دنس واحتشامك آثام.
(حرمان)
برأس أمه ، أقسم لي أن الحرمان جعله يفعل ذلك! قال: بينما كنت أنا وراء المحروسة ، أدوخ.. رأيته يعانق وجهها ويغسله بدموعه ، سمعته يقول: حبيبتي!!
(تكوين)
“كانتا رتقا ففتقناهما”.. كانا فتقا فارتتقا!
(تصحيح)
لم تكن ثمة أفعى. كان هناك رجل وامرأة!
(ناموس)
تفاحة آدم أهبطتنا.. تفاحة نيوتن أكدت لنا استحالة الصعود…!
ليس لدي غير تفاحتك أكسر بها هذا الناموس…
(بورنولاهوت)
طوى آخر صفحة في السفر الأخير. قال لنفسه:
– التوراة تنصيب الشهوة. الإنجيل تعميدها. القرآن عقلنتها بالتقسيط! ماذا يغربلون…!!!
(نبوءة)
بيده ، أشار محمد إلى الأرض ، فانتبه الحفاة.
قال: “إنكم…”.. ثم التفت رافعا رأسه إلى السماء.
أبرقت. أرعدت. غاص اللهب الغادر بين أضلعه.. غامت بعينيه ، سقطت الشمس ، وانتشر في الأفق الدخان..!
(عاقبة)
كان صوته سيد الأصوات. تموج عاليا ، هابطا ، صاعدا ، نازلا ، وعابرا همهمات الحاضرين.. كلام ، وانفلتت في الأجواء رائحة شبق مكتوم:
– الحور العين هن نساء المؤمنين في الجنة…
– لكن يا شيخ.. تقصد أن مبروكة زوجتي يأخذها بو حمد ولد الفقي محيوس..؟!
– لا.. لا.. إن كانت مؤمنة فهي لك ، وإن كنت…..
فجأة.. نطّ (بوغزال) صائحا :
– يا شيخ من هم الولدان المخلدون..؟
تنحنح الشيخ قليلا.. اندفع يطارد أسراب كلمات لاحت له وحده: امتنع عن الـ….. في الدنيا ، يعطيك الله ولدانا مخلدين!!*
—
* صدرت هذه الفتوى بعبارات مختلفة ، بأسماء مختلفة.. في موقف مختلف!