ملعونةُ أنتِ
أُمَّاهُ، يا مُرضِعة الْبَغْضاءِ، وَالْمَقْتِ
حيثُ تُقِيمينَ، وأينَما كُنْتِ
ملْعونةُ،
ملعونة، أنتِ.
ما دمت أحيا ضائعا متشرداً
من غير أحباب، ولا بيت
ما دمت أحيا ظامئاً متعطشاً
للعطف، والإيناس، والقوت
ملعونة، ملعونة، أنتِ
***
ملعونة أنت
ما دمتُ أذكر كل شيء عن عهود طفولتي
ورواسب الماضي البعيد الكامنات بمهجتي
ومذلّتي
أماه، إني لست أنسى ما حييت طفولتي
وتشرُّدي
عبر البراري، خلف قطعان الشياه
عبر السهوب
هدفاً لآلاف الكوارث. كنت وحدي. والخطوب
وأعود في الليل الجهوم
تحت الغيوم
وبلا نجوم
أعود يطويني الوجوم
لا بدر يحلم فوق رأسي، لا نجوم
وأعود مقرور الشفاه
لا أعرف الشكوى، ولا ذل الأنين
أبداً، ولا رفت على شفتي: آه
وأعود في الليل الأخير
تصطك أسناني، وأصداءُ السعال
ترن في جوف الأثير
وأعود مرتجف الضلوع
شعري على وجهي تبلله المياه
وأغوص في وحل الطريق
وحدي أغوص بلا رفيق
والبرق يلمع، والزوابع، والرعود
من بعيد
تفوح رائحة الحساء
وتلوح أشباح النخيل
وكوة الدار الحقيرة، والضياء
ومشاتل النعناع تغمرها المياه
***
وأنام خلف الدار، تحت زريبة الدار الرطيبة
حولي تطل، وتختفي، صور رهيبهْ
صور. وأحلام رهيبهْ
ورؤىً غريبهْ
وأنت في الدار الرحيبه
تتدثرين مع الصغار
وزوجك المحظوظ، في الدار الرحيبه
تتقلبين على يديه، وتهمسين:
(قلبي بحبك خافق، فاسمع وجيبه…!)
ويردد المحظوظ في نشواته:
(إني فداؤك ياحبيبه!)
***
ملعونة أنت
أماه، يا مرضعة البغضاء والمقت
مادمت أذكر كل شيء عن عهود طفولتي
ورواسب الماضي البعيد الكامنات بمهجتي
ومذلتي
وذلك اليوم الرهيب، وكانت الريح السَّموم
تذرو الحصى، والرمل عن وجه الطريق
وكانت الشمس الكئيبة في السما
ينبوع نار
تفيض بالحمم الرهيبة والحريق
في ذلك اليوم الكئيب طردتني
وصرخت في وجهي: (أتسمع يا شقي؟
اذهب لوالدك المشرد في بني غازي
ولا تمكث معي..
إني سأشرب من دمائك يا شقي..
إياك أن تمكث معي..)
وقفت مشدوهاً أصيخ ولا أعي
وحملت صرتي الحقيرة، وانطلقت على الطريق
وحدي انطلقت بلا رفيق
متلفتاً خلفي، ودمعي فوق خدي في سكون
ينساب، يطفر فوق خدي في سكون
و(قمينس) خلفي، يغطيها السراب
في حلمها الأبدي غارقة، يغطيها السراب
***
وهتفت من أعماق قلب مفعم
بالحقد، والظلمات، والموت
بفظاعة الماضي
بذلة حاضري
بتعاستي
ملعونة أنت
أماه! يا مرضعة البغضاء والمقت
حيث تقيمين، وأينما كنت
ملعونة، ملعونة أنتِ.