المقالة

الأكاذيب النبيلة

“الكذبة النبيلة” مبدأ سياسي قد لا يراه الكثيرون نبيلا حتى يصلوا إلى الحكم, ولو سألت العرب أو المسلمين عن صاحب هذا المبدأ لقالوا لك دون تردد”اليهود” أو “الصليبيون” ولو سألت اليهود والنصارى لقالوا لك “لا شك أنه عربي أو شرقي”.

مبدأ الكذبة النبيلة” أطلقه الفيلسوف المسلم”الفارابي” كأحد أركان نظرية الحكم كما يراها, هكذا يلقي المؤرخون الأوروبيون بهذا المبدأ في مرمانا , ولكن الفارابي لم يكن، كما يشير مؤرخون آخرون، إلا مترجما للفكر اليوناني، وتحديدا لأرسطو وأفلاطون. فمبدأ الكذبة النبيلة ورد في”جمهورية أفلاطون ” المثالية.

إذن، وبحمد الله، المبدأ كان من الفكر الوثني اليوناني ولم يكن من إنتاج مفكري وشارحي وفقهاء الأديان السماوية, هكذا تطمئن قلوب المؤمنين وتركن للنقاء والوداعة.

“الكذبة النبيلة”، وكي نكون منصفين , كانت نتاج الملائكة والشياطين, ككل إنتاج بشري, فالكذب للشيطان والنبل للملائكة, وكلاهما يلتقيان ويتناغمان في كياننا الإنساني العجيب.

ابن”الحارة اليهودية” الألمانية”ليو شتراوس” يولد قبل ولادة القرن العشرين بشهور, ليكبر ويدرس الفلسفة ويتخصص في الفلسفة”العربية اليهودية”ويكتشف “الفارابي” والكذبة النبيلة, ويؤلف كتابا عن الفيلسوف اليهودي الأندلسي”ابن ميمون” بعد أن كان قد التحق بالحركة الصهونية وهو في السابعة عشر من عمره.

بعد الحرب العالمية الثانية هاجر إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا وتحول من الفلسفة إلى السياسة,و عبر عن ازدرائه لليبرالية والديمقراطية الأمريكية رغم أنه رأى في أمريكا القوة القادرة على تحقيق الرقي والتقدم والسيطرة.

وجدت”كذبته النبيلة”، رغم التكتم عليها إعلاميا، قبولا كبيرا لدى قوى جديدة قديمة, قوى ليبراليين جدد هم مزيج من محافظين متشددين ويساريين من الحزب الديمقراطي انشقوا عنه, كان فرض المباديء بالقوة وتبرير ذلك بمجموعة من”الأكاذيب النبيلة” جوهر تلك الدعوة وأداتها الأولى.

“الأكاذيب النبيلة” مبدأ تبناه بعض غلاة الشيعة وعرف باسم”التقية” ويتلخص في أن قول الحقيقة يكون ضارا في بعض الأحيان ولذا يجب تجنب الضرر ببعض الأكاذيب النبيلة.

“سيد قطب”، المثقف المستنير والمهتم بالأدب ومدارسه والشاعر أيضا، يرحل من مصر إلى أمريكا ليصدم بمثالب الليبرالية الأمريكية وتفسخها الأخلاقي ويزدريها كما فعل تلميذ”الفارابي وابن ميمون”. أعني الألماني الذي سبقه إلى أمريكا”ليو شتراوس” ليعود إلى منابعه الأولى بحثا عن بديل لهذا التفسخ الضخم.

ينطلق بديل سيد قطب في العالم العربي والإسلامي سريعا, يتعثر ويسير, يكبو وينهض, ويواصل بديل”ليو شتراوس” صعوده في أمريكا ويترسخ ويتبناه مفكرون وسياسيون, وجميعهم مستندون إلى” الأكاذيب النبيلة”.

تنمو وتتمكن قوى”التقية” و”الكذبة النبيلة” في عالمين متناقضين رغم تشابه أبراج الخليج وأبراج نيويورك, يكبر”قابيل” و”هابيل” شقيقين عدوين, أخوة أعداء رغم الرحم والنشأة, ويتحول مسرح لعبهما الحميم في أفغانستان إلى ساحة حرب ضروس بينهما.

أبناء سيد قطب يحاربون الشيوعية مع أشقائهم أبناء ليو شتراوس من أجل الحرية والديمقراطية، وتلك بالنسبة للفريقين” التقية والكذبة النبيلة”.

سلالة سيد قطب, سلالة التقية, تترمز في”بن لادن” وتتوج سلالة”ليو شتراوس” ب “جورج بوش الإبن و”كذبته النبيلة” , ليلتقيا هناك في نيويورك وأفغانستان وليطبق بوش مبدأ الكذبة النبيلة في العراق وأسلحتها المرعبة للدمار الشامل.

تتصارع السلالتان وتتقاذفان رؤوسنا وأشلاءنا, تبرمجان مستقبلنا وهوياتنا الهشة بالقوة المفرطة, ولا تبدو الديمقراطية والحرية والهوية, لاتبدو حروب الحرية والجهاد, إلا”تقية” و” أكاذيب نبيلة”.

_____________

نشر بموقع بوابة الوسط

مقالات ذات علاقة

تاريخُهم وتاريخهُن

فاطمة غندور

شاعر ليبيا… ليس موضة ثقافية

مهدي التمامي

كلاسيك (100/31)

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق