محمد الغتمي
ولد الأستاذ محمد المقرحي بمدينة جنزور سنة 1934م، توفيت والدته وهو صغير، ولحقها أيضاً والده سنة 1939م، فتربّى يتيماً محروماً من متعة حنان الوالدين، وعانى مشقة الحياة وصعوباتها في وقتٍ مبكر.
التحق في عام 1939م بزاوية بن حسين (العريفي) في وسط جنزور وتعلّم القرآن الكريم على يد المجاهد الكبير الشيخ عمر المنصوري (1869-1949م)، وفي عام 1944م انتظم في مدرسة جنزور الابتدائية، وقد علّمه في هذه المدرسة العريقة نخبة من الأساتذة الأفاضل منهم: الشيخ الأستاذ سالم بوكر (1911-1984م)، والأستاذ ميلود خليل (1918-1970م)، والأستاذ عبدالسلام أبو جعفر، والأستاذ العريفي الشارف (1910-1985م)، وكان مدير المدرسة هو الأستاذ أحمد أبو عرقوب (1916-1994م).
وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية سنة 1951م التحق بمعهد المعلّمين بطرابلس في منطقة سيدي المصري بعد افتتاحه بعامين فقط، وهناك وجد مجموعة من الأساتذة المتميزين الذين تناوبوا على تعليمه مثل: الشيخ محمود صبحي (1920-2013م)، والأستاذ محمد رجب عياد حفيظة (1918-2006م) وهو من أعلام جنزور، ووصفه بأنه “كان قمةً في العطاء والأخلاق والاستقامة، وهو أروع أستاذ قابلته في حياتي”، والأستاذ سالم دريرة (1917-1992م)، والشاعر والأديب الأستاذ محمد ميلاد مبارك.
وإثر تخرجه في سنة 1954م عُيِّن مُعلّماً في يوم 20 أكتوبر من العام نفسه بمدرسة جنزور الابتدائية، وفي سنة 1957م رُشّح لدورة في مصر مدة عامين بــ “المركز الدولي للتربية الأساسية في العالم العربي” التابع لمنظمة اليونسكو، بمنطقة سرس الليان بمدينة المنوفية، وقد ذهب في دفعة تتكون من خمسة طلاب من ولاية طرابلس، وكان برنامج الدورة يتركز على التربية والتعليم ومحو الأمية، ومن أبرز الأساتذة الذين علّموه في المعهد الأستاذ الدكتور حامد عمار (1921-2014م) شيخ التربويين العرب، وهو من العلماء البارزين بمؤلفاته العديدة، وكان الأستاذ محمد في فترة شبابه من أنصار التيار القومي، فوجد فرصته في القاهرة في ذلك الوقت الذي طغى فيه هذا التيار وشكّل منظومة فكرية لازال تأثيرها إلى اليوم، وحضر الأستاذ محمد خطابات الزعيم جمال عبدالناصر بشكل مباشر أكثر من مرة في مصر، إحداها في جامعة القاهرة، وتخرّج في المركز في شهر مارس 1959م بشهادة دبلوم.
وبعد عودته من مصر، انتقل الأستاذ محمد إلى إدارة محو الأمية بنظارة المعارف في مقرها الأول بميدان الغزالة في طرابلس، ثم أصبح مفتشاً تربوياً سنة 1971م على مجموعة من المدارس الابتدائية بجنزور، إلى أن تقدّم للحصول على التقاعد الاختياري في عام 1987م بعد أن تضايق كثيراً من ممارسات بعض المحسوبين على اللجان الثورية والدورات التي كانوا ينظمونها للمعلّمين والمفتشين، وكان من الواجب حضورها وعدم التخلف عنها، فتقاعد بعد فترة عطاء امتدت لثلاثة وثلاثين سنة في مجال التربية والتعليم. ولا زال الأستاذ محمد حياً يرزق إلى يومنا هذا، ويتمتع بذاكرةٍ جيدة رغم بلوغه سن التسعين من العمر، ويحظى باحترام الناس نظير ما قدّمه من عمل مخلص لَمّا كان مُعلّماً وإدارياً ومفتشاً. أمدّ الله في عمره، ومتعه بالصحة والعافية.