عمر الكدي
عام جديد
يبدأ العام عند جدي
عندما تزهر أشجار اللوز
تبدو من خلف الضباب
مثل صبايا ناهدات
يلوحن بثوبهن الجديد
تقول جدتي إن أشجار اللوز
تحلم بالربيع
ويقول جدي إذا أمطرت هذه الأيام
سيكون العام خصبا وواعدا
وسيتأكد أكثر عندما
تفترش شقائق النعمان الوديان
وينطح الكمأ سطح الأرض
مختلسا النظر إلى العام الجديد
عندها سيخرج العسلوز في الحقول
وسينبث القازول تحت أشجار الزيتون
ويتكاثر الكرات في الأرض التي شقتها المحاريث
وعندما تختفي أزهار اللوز
وتظهر الثمار خضراء غضة
وتتمايل السنابل في الريح
وتختفي الخراف الصغيرة والجديان
بين الحشائش المرتفعة
ويتمدد الزعتر على الهضاب
ويطن النحل متنقلا بين الزهور
وتمتلئ ضروع الماعز بالحليب
ونتناول في الفطور البيض المقلي في الزبدة
ونشرب الكثير من اللبن الممخوض
عندها يعتدل الزمان
ويتساوى الليل والنهار
وتنزع جدتي عصابتها الزرقاء
مكتفية بمنديل عليه الكثير من الزهور
يغازلها جدي قائلا إنها وردة
تحمل فوق رأسها بستانا من الزهور
فيتضرج خداها وتتلعثم
وتمخض شكوتها وتغني
يا ريتني ما ريت سود انظاره
من يوم ريته عقلي طار
شاطت ناره
ينتصف العام عندما ننتهي من الحصاد
يرسم جدي بمدرته خاتم الملك سليمان
على أكداس القمح والشعير
فأقول لجدي مستنكرا هذه نجمة داوود
هذا علم إسرائيل
فيقول لي هذا خاتم سليمان الحكيم
نعرفه قبل أن تظهر إسرائيل
فيما بعد عرفت أن النجمة السداسية
هي مثلثان متداخلان للمعبودة الليبية تانيت
سرقه العبرانيون مثلما سرقوا كل شيء
إحدهما يرمز للذكر والثاني لفرج الأنثى
رمز الخصب والنماء والميلاد
بعد موسم الحرث في نهاية الخريف
يعلن جدي نهاية العام بعد أن يأكل الرمان
وآخر ما وصله من تمر الجنوب
أما الشتاء فهو فصل الموت
والانتظار الطويل
تنام بذور القمح والشعير في ظلام لحودها
وفي الربيع تولد خضراء من جديد
لتبلغ في الصيف شيخوختها وتتحول إلى سنابل ذهبية
تهرسها الحوافر وتذريها الريح
فتخزن الحبوب في المطامير
ويذهب التبن للمواشي والخيول والحمير
في الشتاء نأكل كل شيء مجففا ومملحا
القديد والمخللات والأجبان والزيتون
حيث لا حليب ليمخض
لا نسمع إلا أصوات التيوس
تنكح إناثها ليولد في الربيع جيل جديد
تسقط معظم الأشجار أوراقها
وتختفي الخضرة من الحقول
فيقول جدي سبحان الذي يحي ويميت
وتترحم جدتي على الأموات متمنية عاما سعيدا.