الرواية بنت واقعها، بل هي، في عرف كثير من نقادها، الجنس الأدبي الأقدر من غيره على المتح من عجينة معيش الناس اليومي موضوعاته ودلالاته. وهو أمر نلفي له انعكاسا في الروايات الليبية التي صدرت خلال العام 2012، حيث حضرت فيها صور الأحداث التي شهدتها ليبيا بداية من 17 فبراير 2011 حضورا فنيا مائزا. ولئن اختلفت موضوعات الروايات الليبية الصادرة خلال العام 2012، فإنها لا تخفي انعقادها حول مجموعة من الثيمات التي سيسعى هذا التحقيق إلى كشفها.
“فرسان الأحلام القتيلة” للكوني
ترصد الرواية الأيام الأخيرة للنظام الليبي الذي مارس خلال حكمه كل أنواع التصفيات الجسدية والنفسية والفكرية، وظن أنه حسم الأمر، وطاب له المقام، بعد أن تخلص خلال فترة هيمنته من كل أشكال المعارضة. وما قام به من تجويف الهويه الوطنيه، واختزال الشخصية الليبيه، وتزوير التاريخ، وما أحدثه من تصدّعات وشروخ وتشوّهات في حياه الليبيين، لا يجد الراوي غافر، معلم المدرسه، الذي ينزع إلى التمرّد ورفض الأمر الواقع ما يلوذ به سوي الكتب والهواء والعزله يعالج بها اغترابه، ويقي نفسه من الانتحار حتى إذا ما اندلعت شرارة الثورة يسارع إلى الإنخراط فيها، ويقوم مع رفاق له بحفر نفق بين الجدران للوصول إلى البناية رمز السلطه والفساد والقتل.
“نعثل” لوفاء البوعيسي
“نعثل” هي الرواية الثالثة لوفاء البوعيسي، وتدور أحداثها فى مملكة الحيوان، وكلها إسقاطات سياسية على الفترة الممتدة من الإستعمار الإيطالى وحتى وصول القذافى للحكم، وتتناول أحداثها جرائم القذافى بحق الليبيين، بدءًا من تصفيته لزملائه فى الإنقلاب وحرب تشاد، وأحداث سجن بوسليم وضرب وتهميش الطبقة المثقفة. وفاء البوعيسي الروائية الليبية المقيمة في هولندا تقول عن الكتابة “فتنة بامتياز، فمن الجميل أن تكتب المرأة بصوتها هي، وترصف الكلمات التي تنتمي لها وحدها، ففتنة الكتابة بالنسبة لي في روعتها، وهذا الجمال الذي تمنحني إياه، عندما أنغمس إلى حد الجموح والتورط في الإنجرار خلف شخوص من حبر، أنسج دمهم وملامحهم بجرة قلم، فيصيغون هم لي همومي وأحلامي”.
“حريق في بيت التماسيح” لجمال أبوزيد
تصور الرواية رحلة العذاب التي عاشها الشعب الليبي إبان حكم القذافي والتي إمتدت لأربعة عقود ونيّف. متناولا شخصية القذافي بالتحليل النفسي إلى أن يصل للمراحل الأخيرة من حياته وهي تلك النهاية المأساوية أثناء الثورة الليبية. ففي روايته الأولى” رحلة الوهم” الصادرة العام 2009 ، أشار أبوزيد إلى إرهاصات ثورة عارمة تجتاح الشعوب العربية والتي قال عنها” عم الظلم أرجاء المعمورة، وقد كان للشعب الليبي نصيب الأسد من هذه الرحلة”.
“اللحية” لسالم العوكلي
الرواية تبحث في مفهوم الشبهة والتوجس وعلاقتهما بالجسد الإنساني، وكيف تتحول اللحية كأيقونة وجزء من الجسد إلى طريق مفتوح للتوجسات. وعليه يتساءل العوكلي:هل الخلاص الإنساني رهن في مدى تهميش الجسد، ولماذا تم ربط مدى إمكانية الفوز بالجنة الخالدة بالقدرة على قمع الجسد وترويض نزعاته الطبيعية. وعن “اللحية” قال العوكلي: “تتكئ على السيرة الذاتية، حاولت أن أستبطن فيها هذا التداخل التاريخي بين خطابات التابوهات الثلاثة: السياسي والإجتماعي والديني، وأن أكشف هذا التداخل البنيوي بينها الذي يجعل تقسيمها نوعا من العبث المنهجي”.
“اختفاء” لهشام مطر
صدرت الترجمة العربية لرواية”اختفاء” خلال العام 2012 وهي رواية يقدم من خلالها مطر تأملاته في كيفية مواصلة الإنسان للحياة بعد اختفاء أقرب أحبائه، وذلك من خلال تجربة نوري الذي اختفى والده بشكل غامض ومفاجئ في شتاء عام 1972، وسعيه مع منى زوجة والده للبحث عنه، وهو ما يجعلهما يكتشفان تفاصيل كثيرة ومدهشة كانا يجهلانها عنه. وعن الرواية يقول مطر: “الاختفاء حالة خاصة من الخسارة، فعندما يموت شخص يتملكنا الحزن ولكن يصبح لدينا يقين النهاية. أما عند اختفاء أحد فلا وجود للنهاية، الاختفاء هنا ليس اختفاء إنسان فقط بل اختفاء أشياء أخرى ومنها ضياع الإحساس بوجود وطن حقيقي”.
“يوميات زمن الحشر” لصالح السنوسي
تدور أحداث الرواية داخل معسكر اعتقال بمدينة بنغازي عام 1976، حيث يجري التحقيق مع أعداد كبيرة من الطلبة والمحامين والتجار والأطباء، وذلك على إثر المظاهرات الطلابية التي قامت في الجامعة ضد نظام القذافي. من خلال التحقيقات ومشاهد التعذيب نتعرف على عدد من الشخصيات القيادية الذين يجرى تتبع مصائرهم التي اختلفت من السجن إلى الإعدام إلى الاغتيال والهروب إلى خارج الوطن.
أحداث الرواية ترصد التغيرات التي فرضها نظام القذافي على حياة المجتمع فأثرت في حياة وسلوك الأفراد وطالت كثيرا من القيم بما في ذلك الحب وذلك من خلال حياة شخصيات الرواية. وعن تجربته الروائية يقول السنوسي” أنا أكتب رواية الهم القومي، هذا الهم بالنسبة لي هو القضية الأولى التي تدفعنى نحو الكتابة، كل شخصيات رواياتي لا تجد لها انتماء قطريا كما هو متعارف عليه، إنما تعاني من مشاكل واحدة بصرف النظر عن الهويات التي يحملونها أو جوازات السفر”.