متابعة: حواء القمودي
رواية الكاتب المبدع “د.أحمد إبراهيم الفقيه”، (خرائط الروح)، تمّ الاحتفاء بها في مكتبة (دار الفرجاني) بشارع (ميزران)، أضمومة من المبدعين أصدقاء الكاتب (الفقيه) التفوا حوله، فليس أجمل من الإحساس الذي يعانق القلب ويفيض في الروح، حين نجد من يكابدون مثلنا هذه الحرقة.
بداية سألت الأستاذ “سمير محمد الفرجاني”:
* أليست مغامرة من (دار الفرجاني) مشاركتها مع (دار الخيال) التي طبعت هذه الرواية في (نشر وتوزيع) رواية ليبية؟!
# ربما!! لأن (دار الفرجاني) كما هو متعارف عليه، دأبت على الاهتمام بالتاريخ الليبي سواء ترجمة ما كتب عنه باللغات الأخرى أو العكس، ولكن هذه (المكتبة/ الدار) ليست بعيدة عن الإبداع الليبي، فهي قد نشرت باكورة أعمال بعض الشعراء والكتاب الليبيين، مثل الشاعر “علي الرقيعي”، وحين تنشر هذه الرواية للدكتور “أحمد ابراهيم الفقيه”، فلأن لهذه الرواية ثقلٌ يضمنه اسم هذا الروائي الكبير ، وأيضا الرواية محمّلة بالأجواء التاريخية ولكن من خلال تتبع سيرة بطل الرواية ومعاركته لأجل وجوده البسيط في أجواء يهيمن عليها الاحتلال الإيطالي والذي فرض على هذا الإنسان معايشة ملحمة تُخبر عن قدرة الإنسان في مواجهة التحديات. والرواية بأجزائها وبتوقيع المبدع أحمد ابراهيم الفقيه، إضافة هامة للمكتبة الليبية والعربية.
هذه الرواية عمل ٌ كبير ….
المبدع الروائي خليفة حسين مصطفى من الأدباء الذين احتفوا مع الروائي الفقيه بتوقيع (خرائط الروح)، وحين سألته عن هذه الرواية والتي حظى بقراءتها، أجابني:
# هذه الرواية عمل ضخم و كبير وتمثل جهدا غير عادي، وهي تجربة جديدة في الرواية العربية من خلال الكمّ والأهم من خلال الكيف، ربما نجد إطالة ولكنها إطالة مشوقة في إطار التفاصيل والجزيئيات، واكتشاف الواقع الليبي المجهول لمرحلة تاريخية معينة، وعندما نقرأ التاريخ كصياغة أو كرؤية ونظرة ومفاهيم نجده دائما يتعلق بالحكام وبالسلطة، أمّا هنا في هذه الرواية فالتاريخ يأتي من خلال المجتمع، من خلال الإنسان العادي معاناته وتجربته، بؤس الحياة في ذلك الوقت والقهر والمعاناة اليومية من أجل القوت، فالكاتب في روايته اختار مرحلة تاريخية تبدأ من مرحلة الاستعمار الإيطالي وتحديدا في فترة حكم ( بالبو)، وهذه المرحلة تشكل حقلا خاصا لأنها مرحلة استقرار نسبيا، بعد انتهاء المقاومة المسلحة، فينطلق الروائي من هذه اللحظة ويبدأ في تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان سائدا، من خلال شخصية معينة، هي مواطن ليبي اضطرته الظروف أن يأتي إلى المدينة، ويبحث عن عمل ثم يجنّد في الجيش الإيطالي ليشارك في الحرب ضد الحبشة، وقبل هذه التجربة هناك تجارب أخرى من المعاناة في البحث عن عمل ثم عمله ( صانع أحذية) والعلاقة الإنسانية التي تربطه بأسرة هذا الصانع، وعلاقة الحب التي تربطه بابنة هذا الصانع، إذاً هي رواية فيها جمالية واستكشاف لوقائع تاريخية من خلال انسانيته، بلغة جميلة وتشويق وبحث عن الإنسان من خلال رصد تحولاته وتنقلاته النفسية والروحية والدينية، رواية فيها صراع النفس مع الذات وصراعها مع الآخر، هذه الأشياء تلتقي في هذا النص الكبير، و(الفقيه )في هذه الرواية أعطى كل ما عنده لهذا النص، بمعنى أنه أمسم بالخيوط ورفض أن يفرط فيها حتى آخر صفحة بالرواية، عمل كبير يشدّ القارئ ليعطيه رؤية للماضي لاستكشاف المستقبل.
رواية تُقرأ ولا يتحدث عنها ..!!
الكاتب والمترجم “عبد السلام الغرياني” قال في احتفائه بهذه الرواية:
# هذه الرواية الضخمة لـ”أحمد ابراهيم الفقيه”، من أمتع الروايات التي كتبها في السنوات الأخيرة، فهو كاتب قصة بامتياز وهذه الخبرة وتراكمات التجربة الإبداعية، جعلت من هذه الرواية عملا من اجمل الأعمال، أعتقد أن هذه الرواية تقرأ ولا يتحدث عنها لسبب بسيط، أن فيها تشابكات ولأن ليبيا بلد كبير وبلد لمجتمع صغير، و(الفقيه) أخذ هذه الرقعة وبدأ يخيط فيها، ورغم أن البطل واحد خلال فترة ممتدة، ولكن من خلاله ومن الخلفية التاريخية لليبيا، جعل الروائي هذا البطل يعيش كل ما في الإنسان من حب وألم ولوعة فقدان وجهاد وتحرير وأسى وذكريات، هذه الرواية تقرأ بعناية لأن ( الفقيه) اختار فترة واسعة لكن البراعة في التفاصيل، فالأحداث قد تكون نقاطا، مثل الاستعمار- القلق الوجودي- ليبيا تلك الفترة- ليبيا داخل- وخارج ليبيا- ليبيا الصحراء والجبل والبشر والأشجار والحيوانات- ليبيا الحرارة القاسية والمناخات المتقلبة، أي أننا أمام ( بانوراما) صقلها الروائي أحمد إبراهيم الفقيه اثني عشرة جزءا، ونستطيع أن نقرأ كل كتاب على حدة أو تقرأ كاملة حتى لا تفقد جوهرها، وبراعة الفقيه الروائي أن سجل تاريخ ليبيا في فترة مهمة وكبيرة للوصول إلى ما نحن فيه الآن بالعصر الحديث.
___________________________________
نشرت في (المشهد الثقافي)، صحيفة أويا، السنة الثانية العدد: 241، السبت 31/مايو/ 2008م.