أطلس – حاورها: حوار: عبدالله الزائدي.
امتزاج انساني بالغ الندرة من الشرق والغرب يلتقي في نصّ الشاعرة عائشة إدريس المغربي وهي ترسل أنفاسها شعراً وتبتسم في وجه الغيوم حيث لا تبصر عيناها غير السماء.
هي في هذا الحوار تحتفل ونحتفل معها بديوان جديد مختلف بتجربة هائلة ومثيرة وممتعة تقدمه هدية للأرواح التي تعشق الحياة. وتحدثنا عن تجرتها الشعرية المهمة.
– لنبدأ بديوانك الأخير «الحياة الافتراضية للسعادة»، حدثينا عن تجربة هذا الديوان الذي جاء مختلفا عن ما سبقه ؟
– في ديواني «الحياة الافتراضية للسعادة» وفي الديوان القادم أيضاً قفزت الى عالم ممتع ومختلف وغريب عن تجاربي السابقة في الكتابة، ليس فقط من حيث الموضوعات بل من حيث اللغة ورؤية العالم. بشكل مختلف أشعر بالخفة والتحليق والتخلص من الكثير مما أرهق الكتابة وحملها مالا تطيق.
منذ عودتي للكتابة في نهاية 2015 وأنا أستمتع حقاً بحالة الكتابة وأعيش عالم من السحر انتشلني من تجارب حياتية قاسية عشتها خلال السنوات الماضية.
ليس هناك هدف مثالي في الحياة للإنسان إلا تحقيق السعادة وكل أفعال وأعمال وأهداف الناس تسعى إلى هذا، وهو ما أردته في كتاباتي الأخيرة. أن أشعر بالسعادة والمتعة، وأنا العب طوال الوقت بين ومع اللغة وأسرب ما أمكن للقارئ.
– كشاعرة تمتد جذورها وانجازاتها إلى ما قبل تقنيات التواصل الحديثة، ولست على قطيعة مع الحياة الافتراضية، ما هو تأثير هذه الوسائل على الادب والشعر خصوصا من رؤيتك؟
– سهّلت التقنيات الحديثة، وخاصة الفيس بوك، التواصل والتعرف على تجارب شعرية جديدة ومتنوعة وثرية، وتجارب شابة تخوض عوالم غريبة وجميلة ومتمردة دون خوف من السلطة الأبوية في الثقافة، واطلاع على ثقافات أخرى قد لا يمكنك في الواقع أن تصل إليها.. باختصار عالم الفيس بوك سهل التواصل الثقافي وألغى المسافات ومكّن الجميع من السفر في حقول الثقافة والمعرفة، وهو تماماً صورة غير بعيدة من عالم الواقع الثقافي فيه كل جماليات الإبداع والفن وفيه أيضاً ما في الواقع من مساوئ وأمراض وتورّم، ويمكن أن نجعل منه نافذة مهمة وجيدة على الصعيد الانساني والثقافي. الشعري وهو ما يعنينا هنا، وإن كانت الإيجابيات في الفيس بوك من حيث التواصل وسرعة الوصول للقارئ المتجدد أفضل كثيراً.
– «البوح بسر أنثاي» كان في زمن مختلف جداً، هل مازالت الأنثى الشاعرة اليوم بحاجة إلى البوح؟
– في الحقيقة أنا أتجاوز بسرعة ما أكتبه، ومهمة الأسئلة عنها تبقى للقارئ والناقد، والثاني لا أظنه موجوداً لدينا خاصة في ليبيا. أما علاقتي بجنسي، أي كوني أنثى، لا يرتبط مطلقاً بالكتابة بل دائماً وأبداً بالإنسان.
– لماذا توقفت حياتك المسرحية تمثيلاً وكتابة؟
– من أقرب الفنون إلى الشعر بعد الموسيقى هو المسرح، ودائماً في التجارب السابقة التي خضتها في الكتابة، في الشعر والمسرح «بائعة الزهور» و«ربيع الغياب» لم ينشر، والسرد (قصص قصيرة ورواية). لا أكبح نفسي في شكل النص فيأتي في أي صورة من صوره لكنني منحازة إلى الشعر طوال الوقت في الكتابة وهو المهم بالنسبة لي. أشكال الكتابات الأخرى ما هي إلا تموضعات للشعر لا أكثر.
سؤالك حول انقطاعي عن التمثيل هو أنني كنت أجرب كل ما يحلو لي ويحقق نزوعي وعطشي للحرية.
– هل تعتبرين الشاعرة تستخدم الشعر أحياناً كسلاح إنساني راق للدفاع عن ذاتها أم أنها تستعمله كأداة تعبير وحسب؟
– لا هذا ولا ذاك. الكتابة كما ذكرت لك هي تحقيق المتعة والشعور بالسعادة والامتلاء، ولو إلى حين، ونقل هذه المتعة إلى القارئ، وهنا أنا أتحدث عن الشعر.
– كأديبة ليبية مهمة ولها حضورها الكبير، ألا تشعرين أن تأثير الأدب في الشارع ضعيف؟ إلى ما يمكن إرجاع ذلك؟
– الوعي هو الذي يغير المجتمعات والتجارب الفردية التي تتراكم لتخلق تخلخلاً في الحياة الاجتماعية. لقد حدثت هذه التجارب عدة مرات لكن قوة التيارات السلفية (وأقصد بالسلفية كل التيارات التي ترتبط بالدين وبالعودة للماضي) المناهضة للتحرر والتقدم تضربها قبل أن تتراكم لتشكل ضغطاً مؤثراً في الحياة الاجتماعية. كما يشكل التخلف والجهل نسبة كبيرة من الأسباب حيث الجامعات الآن أكثر أمية وحاضنة له.
– كتاباتك مشحونة بالرومانسية في عالم بات يجنح الى حالة استهلاكية انانية وحتى غرائزية مفزعة. هل الرومانسيون مقامون في هذا الزمن؟
– الكتابة عن الحب والحياة والجمال خرجت من رداء الرومانسية الضيق. لنقل أنه انحياز كامل للفرح والبهجة ضد كل ما يعطّل الحياة ويرهنها للموت. ضد الحرب بكل أشكالها. مع هذا أنا ما زلت قريبة من الجوانب الجميلة في الرومانسية.
– تجربتك طويلة ومتنوعة. أنت رحالة في الأرض والحياة تنقشين بالحرف الوجوه والطقوس هل تفكري في كتابة سيرة ذاتية؟
– نعم أشعر بالرغبة في كتابة سيرتي الذاتية، ليس فقط لأسجل رحلتي في هذه الحياة، لكنني أرغب أن أعيش تلك اللحظات التي عشتها، وأعيد للحياة الأشخاص الذين رحلوا، والاشياء الجميلة التي خبرتها. أريد أن أمسك بمراحل عمري وأتأملها وأشمها بذكرياتها الجميلة والقاسية، وأمر بالخيبات دون أن أتألم وأتأمل ذنوبي وخفقاتي وأغفرها لنفسي ولا أحزن، بل أضحك مما كان يلسع قلبي بالأسى وأحضن ورد حياتي وشوكها دون ندم.
– الحرية والشعر والمسرح والمرأة والسفر والتدريس والأمومة والعائلة.. ما الذي يستحوذ على النصيب الأكبر؟
– كل هذا يشكل تجربة حياتي ويتأثر ويؤثر في كتاباتي وعلاقتي بالشعر. ربما حدث في الماضي انفصال ما بين عائشة وعائشة. عائشة التي تأخذها مشاغل الحياة والأمومة والعمل، وعائشة الكاتبة. لكن مع الوقت تقاربت المسافة كثيراً وتلاشت لأن الشعر استولى علي بكاملي. أخذني في رحلة ممتعة لا غريم آخر يشاركني فيها.
تعليق واحد
شكراً أيتها الشاعرة المتميزة
ونتمنى وصول ديوانك الحياة الافتراضية للسعادة طرابلس