المستقل – خلود الفلاح.
الذاكرة السينمائية الليبية تحفل بعدد قليل من الأفلام أذكر منها: الضوء الأخضر، تاقرفت، الشظية، معزوفة المطر، إلى من يهمه الأمر، أحلام صغيرة، الأجنحة، عندما يقسو القدر، خارطة غريق، والعشوائي. في هذا الاستطلاع لسنا بصدد عرض بدايات هذه السينما ومشاكلها وإنما لإلقاء نظرة على مجهودات وطموح صناع أفلام ليبيين يحاولون تقديم سينما بديلة من وجهة نظره شبابية. ففي مدينة بنغازي قام مجموعة من الشباب بتأسيس Benghazi Pictures هدفه بناء قاعدة سينمائية تكون الانطلاقة لعصر جديد للشاشة الليبية.
المخرج الشاب إبراهيم مرعي سعد، قدم عدة أفلام نذكر منها: عطيني فرصة، الثمن، نصف مجتمع، نوتة ضائعة، الغيبوبة، قال: نقص دور السينما في مدينة بنغازي يشكل صعوبة أمام أفلامنا، لذلك يتم التحايل على ذلك بالعرض داخل قاعات غير مجهزة بالمعدات التي يتطلبها العرض السينمائي وهذا بدوره ينقص من جودة العمل بصريا وتفقد المؤثرات الصوتية تأثيرها علي حواس الجمهور.
ويضيف: «دائما ما نعرض أفلامنا ضمن ندوات أو مؤتمرات. ليس هناك مهرجانات للفيلم ولا دور سينما مفتوحة للرواد ومنافسة جمهورنا هو جمهور الندوة. نحن نفتقد لثقافة السينما. في بنغازي هناك العديد من صناع الأفلام الشباب ممن لهم مشاركات في مهرجانات خارجية وللأسف المدينة توجد بها دار عرض واحدة. امر محزن بالنسبة لي كصانع أفلام».
وتابع: «كل الصعوبات السابقة لن تكون سبب مقنع لعدم استمراري في صناعة الأفلام، أنا ترعرعت في مدينة ولم أشاهد عرض لفيلم ليبي في السينما. صناعة الأفلام تجربة وليدة في ليبيا ونحنا كصناع أفلام تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة هي اﻻستمرار في عملنا من أجل صناعة سينما ليبية تكون مرآة لهوية وعادات وتقاليد بلادنا ومعبرة عن الطموح».
غياب الإنتاج
المخرج الشاب مراد قرقوم قام بتصوير وإخراج عدة أفلام منها: نصف مجتمع، أجيال طموحة، (دخل ضمن قائمة الأفلام الأجنبية بمهرجان كليب اوورد في ألمانيا)، مشوار الألف ميل (تحصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي بالمناصفة في مهرجان الشاشة العربية المستقلة العام 2013)، هذه الجائزة اتاحت له المشاركة في مهرجان الأقصر السينمائي للسينما الأفريقية.
يوضح المخرج مراد فرقوم بأن فكرة إنتاج وصناعة فيلم ليبي سواءا كان وثائقي أو سينمائي أو الانتاج التلفزيوني بصفة عامة، هي تجربة لازالت وليدة وتواجهها عراقيل كما أن لها آمال وطموح كبير معلقة على كاهلها، ففي ليبيا قبل الثورة لم تكن هناك صناعة أفلام بسبب العقلية الأمنية المنغلقة وغياب الوعي، عاش الشعب تحت تأثر اعلام دولة التلفزيون الواحد والشعار الواحد واللون الواحد لاكثر من أربعة عقود ونيف، قبل ان تجرفه امواج وتيارات الحداثة والعولمة الثقافية والمادية بدخول تقنية «الساتلايت»، وفرض عصر القنوات الفضائيات ثم شبكات الاتصالات والمعلوماتية وفيضان الثورة وما صاحبها من افتتاح العشرات ووصلت في فترة قصيرة إلى المئات من القنوات الفضائية الوليدة، والتي اعتمد وانعكس محتواها على ميزانيات انتاج «إعلام الحروب» و«الاعلام الربحي»، لغرض التسويق للمصلحة الخاصة، وعلى الرغم من البدايات والمحاولات والاجتهادات الفردية من بعض الاوساط وخاصة الشباب إلا أنها لم تكن سوى استراحة محارب قصيرة ليتواصل ذلك الصراع وباشكال عدة في بلادي وكما هو الحال في عدة بقاع من العالم اليوم.
وتابع: الصعوبات التي تواجهني كصانع أفلام شاب تكمن في كيفية التواصل مع إدارة الانتاج التي تلعب جزء مهم في انتاج عمل احترافي راقي وهادف، وفي ليبيا فإن حلقة الإنتاج الإعلامي غير موجودة أساساً، نتيجة لعدة اعتبارات سياسية وثقافية عايشها الليبيين، أولها العقلية الأمنية في ظل غياب إدارة خدمية والفساد والفوضى، وآخرها إغلاق عدم الاهتمام بدور العرض والمسارح المدرسية والمناشط الثقافية التي كانت مهملة أو غير موجودة بالأساس، لذلك فإني أقول بأن ليبيا تأخرت كثيراً عن باقي دول الجوار في تجديد روحها الثقافية التي وصلت إلى مراحل الشيخوخة بشكل عام وفي والاعلام وصناعة القصة والفيلم بشكل خاص، وأضاف: «حكايتي مع الصورة لم تكن بالعلاقة القدرية أو العبثية التي نشأت بمحض الصدفة، ولكن ذلك كان نتيجة لعدة عوامل واسباب كان اولها هو نشأتي في بيت يحترم قيمة وقداسة الصورة وجمالياتها وحكاياتها، كما طورت اهتمامي بالصورة حين كنت اداوم على هواية الرسم والمشاركة بالمعارض المدرسية والجامعية حتى سخرتها لاحقاً بالعمل بمعرض والدي الحائطي «معرض الوطن»، بميدان سوق الحوت ببنغازي، برسم البورتريه كمصدر دخل مساعد كان المعرض بالنسبة لي مشهد يومي لاستراحة المواطن في حياته اليومية ليتحدث ويستمع فيها الى حديث وحكاية الصورة، كما اسهم مجال دراستي بقسم الرياضيات في توسيع وصقل دائرة معرفتي لعلوم الضوء والصورة وفي نظرتي لتقنية مكون وابعاد الكادر، تلقيت تعليمي الاول على منظومة إذاعية احترافية بإذاعة بنغازي قبل الثورة، ومنها انطلقت بمسيرتي العملية”.
قال السيناريست الشاب هاني العبيدي: المشكلة الوحيدة التي تواجهني في عملي هي عدم وجود أماكن مجهزة للعرض من الاساس وهذه تعتبر مشكلة كبيرة ولكننا لحب العمل السينمائي نتخطى هذه المشكلة ونعمل دائما على توفير بدائل لها، اطمح إلى أن اكون في المستوى المطلوب الذي يؤهلني لتمثيل بلادي في كبرى المحافل السينمائية والمساهمة في اصلاح المجتمع وقتها فقط سأشعر ان لسيناريوهاتي معنى.
السيناريست هاني العبيدي كتب إلى الآن ثلاثة أعمال حبيسة الورق باستثناء عمل واحد هو «سيت كوم» عرض في رمضان 2014 ، وأضاف: «للأسف لم ينجح النجاح الذي توقعته بل انه لم يصل حتى إلى المستوى المرغوب بسبب الامكانيات المحدودة من جهة وانشغال الممثلين مما اطرني إلى العمل مع بعض الممثلين الذين افسدوا العمل وجعلوه مادة ركيكة جدا ولكني مستمر ولن اتوقف».
وتابع: لفيلم الغيبوبة «الذي سيرى النور قريبا»، حكاية طويلة جدا، جاء بعد توقف سنة وأربع أشهر تقريباً حتى التقيت المخرج إبراهيم مرعي سعد، صاحب القصة حدثني عنه منذ سنة تقريبا ولكننا لم نبدأ العمل إلا في المدة القصيرة السابقة وحينما استأنفنا الحديث عن هذا الفيلم ظننت وقتها انه من الصعب البدء في الكتابة من جديد. لكن القصة اثرت فيّ كثيراً مما جعلني متحمسا، فأكملت كتابة سيناريو الفيلم كاملاً في مدة لا تتجاوز الثلاثة عشر يوماً وهذا اعتبره فريق العمل انجاز كبير، الفيلم الآن في حيز التنفيذ ولكن مرحلة التصوير لم تبدأ. الشي الجدير بالذكر أن هذا الفيلم سيحدث طفرة كبيرة جدا في السينما الليبية بل انه سيكون مؤهلاً لان يكون عمل سينمائي بكل معنى الكلمة، الصعوبات كثيرة ولكن اولها هي الإمكانيات المحدودة من ناحية الانتاج والتي تحاصرني جدا أثناء الكتابة وايضا قلة الممثلين خاصة ً الممثلات «النساء».
سينما مستقلة
يقول عضو هيأة تدريس بقسم المسرح والسينما بجامعة بنغازي نور الدين عمران: دائما ما أجد صعوبة في إيصال فكرة أن التقنية ليست أساسية في مسألة تصنيف الفيلم أو العمل السينمائي وعده سينمائيا أم تلفزيونياً، بكلمات أخرى، الأمر لا يتعلق بمدى استخدام كاميرا واحدة أو بنوع التقنية المستخدمة أو شكل الكاميرا (سينمائية أم إلكترونية أم رقمية)؛ وإنما يتعلق بالشكل العام والقالب الذي يقدم فيه العمل الدرامي؛ بمعنى تركيبة العمل؛ فبنية الفيلم السينمائي سواء كان قصيرا أم روائيا طويلا تختلف عن بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني وكذلك عن السهرة التلفزيونية (التمثيلية). فهناك أعمال تلفزيونية أمريكية صورت بكاميرات سينمائية وصبغت بنكهة سينمائية.
من ناحية جمالية الصورة وتكوين الكادر وشكل وحجم اللقطات وحركات الكاميرا، كما أن هناك أفلام تم تصويرها بكاميرات رقمية. وأقيمت مهرجانات خاصة بالأفلام المصورة بكاميرا الهاتف النقال. هناك مخرج أمريكي قدم أفلام بكاميرا هاتف نقال ( آيفون)، وأضاف: «من وجهة نظر خاصة؛ أرى أن محاولات الشباب المتنوعة لإنتاج أفلام قصيرة بتقنيات وأجهزة مختلفة هي محاولات جادة لتلمس حرفة صناعة الأفلام وأنها بالضرورة سوف تنتج صناع أفلام في المستقبل، كما أنها تمثل روافد مهمة للفن بشكل عام.
الكثير من المخرجين الكبار اليوم ينصحون الشباب باستخدام التكنولوجيا الحديثة المتاحة للجميع (اليوم كاميرات بأثمان مختلفة وبجودة متنوعة المستويات وأجهزة مونتاج متوفرة ومتاحة للجميع) لتصوير فيلم قصير في كل أسبوع ومونتاجه ومن ثم عرضه على الأصدقاء للتعرف على المواطن التي أعجبتهم والمواطن التي كانت ضعيفة وإعادة المحاولة مرارا حتى الوصول إلى تقديم تجربة ناضجة تقود صاحبها إلى عالم الاحتراف. محاولات الشباب تندرج ضمن ما يعرف بالسينما المستقلة؛ وهي سينما أنتجت مخرجين كبار أمثال المخرج الأمريكي الشهير كونتين ترننتينو. في السينما المستقلة يحاول صناع الأفلام المستقلون إنتاج أعمال على نفقتهم الخاصة أو بمساعدة بعض الجهات والأشخاص وليس بتمويل من شركات الإنتاج المعروفة».