حكاية حكيم المافيا
… بعد سنوات المنع من السفر ..
غادرت طرابلس إلى روما بما تيسّر من نقود، وتجمع من عقد…
وكان في استقبالي صديقي الكاتب الأنجلو ايرلندي “مايكل أوسوليفان” الذي يعرف أن حياتي قد ارتبكت فاقترح مشورة حكيم المافيا النيويوركي المتقاعد في روما الملقب بالخيميائي .. وكان الموعد بعد منتصف الليل في حانة ” ميدان نافونا “.
سرنا من “كامبو دي فيوري” إلى “نافونا”… وكان المطر قد طرد من الميدان باعة اللوحات والسياح … وحين دخلنا.. عرفت لماذا أخبرني أوسوليفان :
“بعد منتصف الليل كل جواسيس العالم يقصدون حانة نافونا”.
شربنا بضعة أقداح صغيرة ،” وأوسوليفان ” يحدثني عن ترجمته الجديدة لقصص “إيتالو كالفينو” حين أنسلّ بيننا … الرجل المبتسم القصير الوسيم المدخن للسيجار الكوبي.. وكان هذا هو الخيميائي..
… تبادلنا الأنخاب والمجاملات .. ثم خرجنا إلى وسط الميدان الفسيح .. وقد توقف المطر وأرتفع خرير النافورة… قال الخيميائي :
– أنت كثير الكلام ..! ونصيحتي لك هى هذه الحكمة الثلاثية من كتاب الطاو:
أولا: ذاك الذي يتكلم لا يعرف .
ثانيا : ذاك الذي يعرف لا يتكلم .
ثالثا : اسمع ولا تتكلم !.
حكاية تحكى لـ ” منصور أبو شناف ” وبالعكس
إلى خالدة وعلي وسارة ومفتاح
في مقهى “أويـا” قلت للكاتب منصور أبو شناف :
-“سأحكي لك حكاية حكيتها لي في الطريق من مطعم البرعي إلى المقهى الشرقي قبل ساعة ونصف لو دفعت ثمن قهوتي “…
هَشَّ منصور وعاد بقهوة إكسبريس .. وجلس ينصت :
“… في سجن بورتا بينيتو .. [باب بينيتو موسوليني] ” قُطع عنَّا التدخين …بعد أسبوعين حلمت بالسندباد البحّار بطل الرسوم المتحركة يدخل إلى الزنزانة حاملا لي سيجارة رياضي في حجم عمود الكهرباء .
حكاية الصادق النيهوم
في الربع الأخير من القرن الماضي ..
في المدينة السياحية غربي طرابلس … حكى لي جاري الأديب الراحل الصادق النيهوم :
” يا رضوان عندي لك هذه الحكاية الصالحة لكتابة مسرحية عن البيروقراطية الليبية:
… مات حمار في غوط الشعال… اتصل الأهالي بالبلدية… حوّلتهم البلدية إلى الصحة… حوّلتهم الصحة إلى حماية البيئة … حوّلتهم حماية البيئة إلى المطافئ … حوّلتهم المطافئ إلى … إلى أن تعفّن الحمار وانتشرت الكوليرا “.
حكاية دانمركية
… قبل ثلاثين عاما…
… رأته من النافذة يقترب على رصيف “نيلس يولس جيدا” تحت انهلال الثلج…
… علّقت معطفه المطري على مشجب منحوت من الخشب على هيئة امرأة تخلع قطعة الملابس الأخيرة .. وقادته بين الشموع المستبشرة إلى مائدة دانمركية تفيض بالبطاطس والسمك والشنابس .
… درجة الحرارة تحت الصفر في الخارج… وفي الداخل مائة شمعة تذوب في اهتزاز ….
لماذا تفكر في الرحيل يا شبيه الغجر ؟…
…سوف تندم يوما ما …
… في الصبح إفطار مع حورية من الجنة.
…لماذا تفكر في الرحيل يا شبيه الغجر ؟
…سوف تندم يوما ما …!
… رأته من النافذة يبتعد على رصيف ” نيلس يولس جيدا” تحت المطر الآتي إلى “آرهوس” من غيوم القطب …
… شاهدها تودعه بالدمع في إطار من الثلج …”
لماذا تفكر في الرحيل يا شبيه الغجر ؟
سوف تندم يوماً ما …!
قرأ الحكاية الدانمراكيةعلى صديقه منصور عبر الهاتف … وقبض على الورقة ..ومزقها بأسنانه .. وقال : ” تذكرت .. ذات مره بعد خصام صغير قالت لي : اذهب إلى الجحيم” ..
ضحك منصور : ” بعد ثلاثين عاما ! “
حكاية بورخس ..
… جاءت الشاعرة في فستانٍ من الألوان الحارة… إلى مقهى ” ذات السواري “…
… العيون سواد العمق .. الرموش تتشرب البياض … نزعت مِشْبك الشعر .. سال في ظلال متعرجة على الوجه الأسمر …
… طلب قهوة عربية…
… فتحت الحقيبة البنية وأخرجت كتاباً .. تبسمت :
-“هدية لك .. مختارات من قصائد بورخس “.
حكى لها:
” في الاحتفال المئوي بالكاتب الأيرلندي ” جيمس جويس ” في دَبلن رأيت الكاتب – الشاعر الأرجنتيني الأزلي خورخي لويس بورخس … القائل:
” أنا الذي تخيل أن الفردوس هو الفضاء
القابع تحت عنوان مكتبة.
الآن أنظرُ
إلى عالمٍ عزيزٍ يتداعى مثل زبالةٍ تحترق.”
… كان يجلس على ركح “الآردي أش”.. يستمع إلى نصوصه تُقرأ .. كان أعمى يضع على عينيه نظارة سوداء .. يستند على عكاز بني .. .. وفي أناقة سفير سماوي …
… حين صافحته .. قاسمني قامته المديدة وهالة النّور الذهبية ” .
… فتح الكتاب على الصفحة الأولى .. كَتَبَتْ بقلم الرصاص :
-” يقول بورخس .. كل الأشياء قد قيلت .. ولم يعد هناك ما يقال “…
كَتَبَ بقلم الحبر الجاف :
” ولكن كيف تقال ؟ والعشّاق لا يملكون إلاّ الصمت .. والفقراء لا يملكون إلاّ الكلام “.
حكاية الحوات النحيل
إلى سليمان الترهوني
في زنقة الحوّاتة… قابلني الحوّات النحيل… الذي هاجمه الصلع في منتصف العمر… والذي يشبه الشاعر.. سليمان الترهوني… يدندن:
“… حايسه… وغزلي تخبّل
والطريق دون الرفيق
رحلة حزينة بايسه”.
___________
*حكاية بورخس : ترجمت إلى الإسبانية في بوينس أيرس ، وأودعت لدى مركز أبحاث بورخس .. ونشرت في مجلة ” الميرادور ” الأدبية الشهيرة …
وأُلقيت هذه الحكايات في طرابلس، وتونس، ودرنة …