I
“رجلٌ من الحيرة
آخذُ بيده فأُدخلُه الرمل
فيعلمني الكتاب.” قال ذو الرمّة
*
“حبلٌ شُدّ بمعاذة على عضدي
وحبلٌ يشدُّ عن ليلي الأوهام
وحبلٌ تركتُه في وتدِ غياب.” قال ذو الرمّة
*
رأي كيف قلّبَها على ظهرها
وتراجعْ خطوتين.
رأى كيف يقطرُ زيتٌ يشعّ في الظلمة
ويختفي في النور.
مرنةٌ كعود قَصب
لم تر عيناها الضفة المقابلة
ولمّا َتزل تحنّ إلى أغنية الفتى الشغوف.
*
“لا تعبأ بهم،
تقدّم خطوتين وأقطف القبلة.” قال ذو الرمّة
*
رمى سهمَه الباردَ في صدره،
شاهدَ كيف يدخلُ الموت.
وجهُه في التراب
وعيناه كزجاجِ صبيحةٍ مضبّبة.
*
الآهة لا تغادر كتف المرأة الحبلى.
الآهة انزلقت من على ظهر الأبدية.
غبارٌ شاحبٌ يتبعها.
كانت في طفولتها شجرةً،
الآن ظلُّها نعامٌ هائم في البرّية.
*
على فرسٍ مطهّمة أخذها
لكنه قُتل وصُلب على جبلٍ أصمّ.
تركتْ روحها تسبقهما إلى كثيب بين ثلاثة جبال
لكنها قُتلت وصُلبت على جبلٍ أصمّ.
وسوس لها قلبها:
بردائك ومعزتيك وصُرّة سويق شاعِتٍ وبضع دعوات قد تذوقين اللذّة
لكنها قُتلت وصُلبت على جبلٍ أصمّ.
*
“خرقاءُ مَنسِكٌ من مناسك الحجّ.
ما أصعب أن تَعرفَ ساعة موتك.
ما أمرّ أن تنفرَ منك ناقتُك!” قال ذو الرمّة
*
“لا تدفنوني بقاع وادٍ
أو في وهدةٍ لا تبين”
“ادفنوني
كيّ يراني الركبان من بعيدٍ،
كي أطلّ على كثبان طفولتي
فلا وحشة في الدار ولا قدم ترتجف” قال ذو الرمّة
*
“قريباً سينفجر هوىً بصدري،
لا تستعجلوا وصول الشاعر الفحل!” قال ذو الرمّة
*
“هذي لحيتي ولم تبلغ أربعين،
بلّلها دمعٌ ينسكب.” قال ذو الرمّة
II
*
التي شيرت الأزرق الباهت لا يخفي البطن المتكوّرة فقط
بل استلقاءة الطفل اللاهية عن أذن الشاعر.
قليل من المطر في ساحة المقهى في صباح عادي وبسيط.
الحكاية يريدها قصيرة وجافّة،
هي تريدها مبلّلة بالشبق
وماذا بعد؟!!
يدها البضّة تجعل تناول صحن سباغيتي حارّة،
سهلاً وشاعرياً.
هي نيويورك إذن!
عبر بوّابة إبريل.
ليس إبريل إليوت ولا غراب الفتى النائم في الحديقة العامّة.
في المرّة الأولى أطلّت نافذتي على جدارٍ متّسخ.
في الجادّة الثلاثين اختفى النصّاب ورافع الأثقال.
“لتصل الباب اترك رغباتك تنحدر فارغة.” قال شارلز سيميك.
*
من على جسر بروكلين رأيتُ
ويتمان، لوركا، أدونيس وظهر بورخيس.
رغبتي في التبول كانت شديدة!
*
الحمامتان اللتان طارتا فوق نعاس المدينة
حطّتا بسلام أمامي تماماً.
آن أن أعير الطفل ابتسامتي الجديدة.
*
في الفجر الصيفي المنهك،
انتفض النائمون العراة تحت الأزقة المقوّسة.
مَن سرقَ مِن باب مكتبة بروكلين العامة:
الصقرين الذهبيين،
الرجال بتنوراتهم،
الحرّاس بحرابهم الطويلة،
الحجل الرهيف،
اللبوة الحزينة؟!
*
“كيف لم أجد هيمنغواي عند الجادة الخامسة
في ذات المقهى الذي قُتِل فيه الغريب؟!” قال شارلز سيميك
*
الشتاء لا يغادر نيويورك،
المطاعم ترمي دخانها على الأرصفة الكئيبة.
في نيويوك لا شيء يدعو للإعجاب،
لا المارّة البطيئون
ولا الجائعون أمام الأسواق الرمادية.
*
ما يزال عبق نبيذ ليلة استثنائية
يجعلني أحبّ نيويورك
وبائع القستل الساخن.
*
أنا على يقين أن الخشب
يتشرّب الشِعر كما يحلو له وآن يشاء.
*
“كأني أنزل هذا المنحدر لأول مرّة؟
كأنهم يأخذونهم إلى حمّامات الدم المنتشرة على جانبي الوادي!
كأنّ صاحب المقهى يذوق بعد غياب طويل قبلتها!
الباعة يختصرون تاريخ الغياب في تلويحة قصيرة.” قال شارلز سيميك
*
ما أكثر خضرة هذه المدينة
ما أشدّ حرقة ليلها الطويل!
*
الكلمات الزائدة
الأردية الطويلة
الأشجار ذات الرائحة الكثيفة
النظرات الخائفة
الأيدى الممدودة في الفراغ
تفضي إلى ليل مليءٍ
بصفارات الإنذار وشتائم رجال البوليس.
*
يا مدينة
أريد أن أبتعد عنّي
لكن لا لأقع في أحضانكِ.
*
“الفتوحات كثيرة في نيويورك
مثلما الإنغماس في شجن لا ينتهي” قال شارلز سيميك
*
“كلّما رأيتُ تغضينة جديدة في وجهي
أعرف أنّ طيّة من حكاياتي
تستلقي ساكنة في خزانة الزمن.” قال شارلز سيميك
*
رائحة نيويورك
تذكرني برائحة عنابر مجنّدين
بعد يومٍ طويل.
*
في مقهى جانبي معتم،
حياتي تتقشّر كقطعة خبز جافّة .
أيّ ألم هذا الذي يشعّ من لوحات الإعلانات المعلّقة على أعلى المباني؟!
*
حتى إن قبضتُ بيدي على الريح التي تحوّم فوق الشجرة أمام نافذتي
حتى إن تمسّكت بكلّ قوتها قطرات المطر بعمود الشرفة
حتى إن تمكّنتُ من كتابة موسيقى رفرفة العلم فوق السوق المحلي
حتى إن…..
حتى إن…..
*
“نسيتُ ربطة عنقي على طاولة المطبخ،
نسيتُ أن أمشّط شعري الأشهب،
أن أزرّر معطفي.” قال شارلز سيميك
III
شارلز سيميك وذو الرمّة
يتابعان بنظرهما كلب المرأة
التي دخلت مسرعة
لشراء البطاطا المملّحة.
______________________
نشر بموقع كيكا