قراءات

الشيخ الليبي الطاهر الزاوي المجهول المعلوم

إن استخدام نظرية المفاهيم أثناء قراءتنا التاريخ الليبي تزيد من قدرتنا على كشف وتتبع المصطلحات والمؤلفات التاريخية ومن ثم فهمها وتصحيحها.

وهي بمثابة مراعاة للمعرفة التاريخية المتراكمة عند تطور التاريخ ، وتعتبر المفاهيم أحد الحلول العصرية لمواجهة الثورة المعرفية والتي تنمو دون تصحيح.

غلاف كتاب_عمر المختار

المجهول أحمد محمود
وفي قراءة كتبها الكاتب الليبي يوسف عبدالهادي بعنوان «كتاب عمر المختار في الميزان» -ضمن سلسة مقالاته «مفاهيم تاريخية يجب أنْ تُصحّح» والتي تعنى بنقد محطات تاريخية في تاريخ ليبيا- يقرأ عبدالهادي ومن وجهة نظره أخطاء كتاب «عمر المختار الحلقة الأخيرة من الجهاد الوطني في طرابلس الغرب».

موضحًا في سطور قراءته الأولى أن الكتاب صدر في سنة 1934 بمصر، ومن تأليف شخص مجهول يسمي نفسه أحمد محمود، ومقدمة بقلم الكاتب عبدالرحمن عزام، مشيرًا إلى أن أهمية الكتاب المذكور أثارت استياء كثيرين من المهاجرين الليبيين في ذلك الوقت.

ويكمل قائلاً: «فالكتاب في ظاهره يحكي بعضًا من سيرة الجهاد في ليبيا ويذكر بالأخص شيخ المجاهدين عمر المختار، ولكن ما إن يتمعن القارئ في محتواه حتى يكتشف الغرض الواضح من تأليفه ألا وهو النيل من بعض أفراد العائلة السنوسية وعلى رأسهم إدريس السنوسي.

بل إن المؤلف ذهب بعيدًا جدًا حين طعن في ذمة السيد إدريس واتهمه بسرقة أموال تقدر بسبعين ألف ليرة ذهبية قدمت من (الآستانة) في غواصة لدعم حركة (نوري بي) ضد مصر مما دفع بالسيد إدريس إلى أن يقدم مذكرة شكوى إلى النيابة المصرية في ذلك الوقت يطلب فيها التعرف على المؤلف المجهول ويتهمه بالطعن في شرفه».

ويشير عبدالهادي في باقي القراءة إلى أن معظم المجاهدين المهاجرين من بينهم خصوم الملك إدريس أجروا مراسلات فيما بينهم تُجمع كلها على تخطئة مؤلف الكتاب المدعو أحمد محمود.

حيث تراجع واعتذر عبدالرحمن عزام كاتب المقدمة لهم حينها ظنًا منه أنه يتحدث عن سيرة شيخ الشهداء فقط وأن تقديمه له تم من دون اطلاعه على متن الكتاب.

أصداء صدور الكتاب
ويستمر عبدالهادي في القراءة حتى رصد أهم ردود فعل حصدها الكتاب قائلاً: «ومن أبرز أصداء صدور هذا الكتاب أن نشر السيد عمر فائق شنيب مقالة شنَّع فيها على الكتاب ومؤلفه والمقدم له، وذلك في مجلة (الرابطة العربية) التي يصدرها الأستاذ الكبير أمين سعيد.

وصف فيها المؤلف بأنه (باذر بذور الفتنة المؤلف المجهول)، تبعه في ذلك المجاهد المهاجر سليمان باشا الباروني بمقالة في المجلة نفسها بعنوان (القول الفصل في القضية الطرابلسية) يصف فيها المؤلف بالمجهول النكرة.

ولعل أهم تلك الردود هو ما قام به (محمد الأخضر العيساوي) الذي أصدر كتابًا في حجم الكتاب نفسه الذي نحن بصدده سماه (رفع الستار عما جاء في كتاب عمر المختار)، وقدّم للكتاب شخص له وزن ولا غبار عليه وهو العالم الشيخ عبدالقادر بن الأمين الزنتاني الطرابلسي.

وتأتي أهمية هذا الرد من أنه جُمع من شهادات الأحياء من المجاهدين والمعاصرين تلك الأحداث التي يتحدث عنها كتاب عمر المختار».

المعلوم أحمد محمود
وفي الجزء الثاني وضح عبدالهادي أن الكاتب أحمد محمود المجهول هو الشيخ الطاهر الزاوي الذي هو من أهم المؤرخين الليبيين، والذي شغل منصب مفتي ليبيا في فترة من الفترات، معترفًا بنفسه أمام النيابة التي استدعته على دعوى الملك إدريس وعبدالعزيز صاحب مطبعة عيسى الحلبي التي طبعت كتاب «عمر المختار» السالف الذكر.

وأن الشيخ الزاوي رحمه الله أعاد طبع الكتاب باسمه الحقيقي وضمّن متن الكتاب ومقدمته عبارات سب وشتم غير لائقة، لا شك أنها نالت من مكانته كمؤرخ و«مفتي» وذهبت بالفائدة المرجوة من الكتاب على حد قول الكاتب يوسف عبدالهادي في القراءة.

مكملاً قوله: «ومن المهم أن نضيف أن مما أورده المرحوم الشيخ الزاوي في طبعته الثانية اتهام جديد للسيد إدريس بالسرقة لم يرد في طبعته الأولى وذلك حين اتهمه بالاستيلاء على 300 جنيه مصري كان طلبها من الأمير عمر طوسون ليرسلها إلى عمر المختار في رواية عن شخص ميت حينها.

وهي إن صحت في نصها لا يعول عليها لأنها رواية من طرف واحد أولاً، ولا شواهد لصدقها ثانيًا، ولا ندرى كيف يقتنع الشيخ الزاوي ببراءة إدريس السنوسي من سرقة سبعين ألف ليرة ذهبية ليصححها في طبعته الثانية ويذهب في اتهامه له من جديد بالاستيلاء على ثلاثمئة جنيه مصري؟

ويمكن للمهتمين أن يعودوا لأصول هذه الكتب والمقالات والمراسلات المذكورة ليتسنى لهم الاطلاع على تفاصيل أكثر لهذه الحكاية فما قدمته هنا ليس تأريخًا بمعنى الكلمة بل هو محاولة منى لإضافة بعض قطع الفسيفساء حتى تكتمل الصورة، خاتمًا عبدالهادي قراءته برحم الله الجميع».

سبب القراءة
نوه عبدالهادي في بداية القراءة بأن سبب كتابتها هو توافر إحدى طبعات هذا الكتاب في السوق بوفرة مع عدم معرفة كثير من البحاث والمهتمين بملابسات تأليفه وطباعته، راجيًا من القراء الاستفادة والإفادة وعدم الدخول في ملاسنات أو مهاترات لا جدوى منها.

فالهدف من كتابة الأحداث التاريخية وتدوينها هو رسم وتشكيل صورة تقريبية للأحداث حتى يتخيلها من لم يعايشها ويلتمس منها العبر وليس الهدف منها الحط من شأن الآخرين.

وأنا هنا لا أضع تبريرات للكاتب بقدر ما أثني على اجتهاده وتجميعه وتحليله الوثائق الواردة في أغلب مقالاته خاصة هذه المقالة التي أرفقها بملاحظة تقول: «إن كل الوثائق والمؤلفات الواردة في هذه المقالة هي بحوزة الكاتب» .

راجية إحياء ردود وكتابات أخرى تثري ما يناقشه عبدالهادي، وتصحح ما ورد.

___________________

بوابة الوسط

مقالات ذات علاقة

قراءة تحليلية نقدية لقصيدة (لاممكنات) للشاعر “جمعة الفاخري”

المشرف العام

عـرّاف الشـعر

نورا إبراهيم

“والعكس صحيح” فيلم عن الإنعكسات النفسية للحرب في ليبيا

المشرف العام

اترك تعليق