ليبيا المستقبل – طرابلس – 23 مايو 2014م – أحلام محمد الكميشي: مساء يوم الثلاثاء الماضي 20 مايو 2014 م شهدت دار الفقيه حسن (القنصلية الفرنسية سابقاً) إقامة الأمسية الإحتفالية بصدور (جنان النوار) الكتاب الأول للكاتب والصحفي الراحل (محمد طرنيش) في لمسة وفاء تنادى لها مجموعة من أصدقائه ومحبيه وفي غياب كامل لـ (جمعية طرنيش للثقافة) والتي ولدت في يناير 2012 م بعد احتفالية تأبين الكاتب الراحل وحملت اسمه بغرض دعم المشهد الثقافي الليبي بالمناشط والعمل على جمع كل اعمال الكاتب الراحل والمساهمة في إصدار كتبه وإقامة الأمسيات الأدبية والثقافية…. الخ، إلا أنها ظلت مجرد حبر على ورق بدليل صدور الكتاب الأول للراحل بجهود فردية وتغيب الجمعية عن كل مراحل الصدور وحتى عن حضور الإحتفالية.
بدأت الامسية عند الساعة 6:30 مساءً تقريباً وامتلأت القاعة بالحضور وأدارها باقتدار المحامي والقاص المبدع (مفتاح قناو) الذي جهز مقاطع مكتوبة من سيرة الراحل وعناوين لمقالاته وتعليقات عليها وسرد لبعض الأحداث التي عايشها معه بحكم اقترابه منه حيث جمعتهما الصداقة والأخوة ردحاً من الزمن.. وتولّى تقديم أصحاب الورقات المشاركة وتخلل ذلك ما أعده هو عن الراحل وسيرته. وقبل البدء في الإستماع للورقات دعا الحضور لقراءة الفاتحة على روح الراحل (محمد طرنيش) وعلى روح صديقه الراحل منذ أيام (عادل المشيرقي) والذي حالت يد المنون دون مشاركته في هذه الأمسية رغم تشوقه لحضورها.. وجاء أول تأبين له في أول مناسبة ثقافية لا يحضرها وبعد وفاته مباشرة من مفارقات القدر أن تكون أمسية لصديقه الراحل (محمد طرنيش).
وكانت البداية مع صاحبة الفضل الكبير في صدور الكتاب من الفكرة وحتى الصدور وفي التجهيز للأمسية الإحتفالية وهي الكاتبة والباحثة الأستاذة (أسماء الأسطى) الصديقة الوفية والمقربة من الراحل وقد جاء في ورقتها: ((كنت قد فجعت كغيري من الزملاء بوفاة المناضل “محمد طرنيش” قبل أن تدرك الثورة تحريرها لطرابلس، وكنت قد ناديت في أولى مقالاتي بإطلاق اسمه على جائزة تمنح محلياً في اليوم العالمي لحرية الصحافة وأسميتها “جائزة طرنيش” ثم تلقيت رسالة من الوزارة تبارك المقترح… ولكن سريعاً ما تخلت عنه!! كالعادة وما أن دعاني أوفياء “طرنيش” إلى جمعية تحمل اسمه وتعنى بالشأن الثقافي.. حتى كنت من بين المؤسسين ولكن انفرط عقدها قبل أن تحقق أي شيء يذكر ، ولأن قيمة الكاتب فيما يخطه قلمه ويحفظه من الوقوع في بئر النسيان.. جمعت ما توافر له من مقالات في أرشيفي وطبعتها وراجعتها واتصلت بزوجته الصديقة “أحلام الكميشي” التي أعادت إرسال ما احتفظ به بريدها الإلكتروني من مقالات.. توجت بغلاف يضمها من تصميم الفنان “علي العباني” حتى تحقق على هذا النحو.. لقد امتدت أيدي بعض أصدقاء “طرنيش” بالمساعدة في بعض التفاصيل التي أحييهم عليها.. وهما الصديقين “حسين المزداوي” و”نصر الدين الجراري”.. هذا الكتاب هو ما استطعت إنجازه وليكن بداية جهد يكمله الأصدقاء في تجميع كل مقالاته ونشرها في كتب تقي زميلنا الذي غيبه الموت من النسيان وتحفظ نتاجه من الإندثار.. رحم الله “محمد طرنيش” الكاتب والمناضل الحقيقي)).
وكانت المشاركة الثانية للكاتب الذي يشارك صديقه الراحل في التربع على عرش الكتابة الساخرة الأستاذ (ابراهيم حميدان).. وحملت ورقته عنوان “جنان النوار” محمد طرنيش.. عطر المحبة وأرجوحة الحلم).. وجاء فيها: ((“جنان النوار” هو الإصدار الأول للكاتب الراحل محمد طرنيش تغمده الله برحمته الواسعة، وقد صدر بعد رحيله بنحو سنتين، ولم يتسنّ له أن يعانق حلمه الآخر وهو انتصار ثورة 17 فبراير، وإن لحق بانبلاج فجرها ، وأمسك بأصابعه شعاعه الذهبي، ثم لم يلبث أن لوّح لنا مودعاً وقد ازدادت ابتسامته اتساعاً بعد أن اطمئن قلبه وهو يرى بداية انقشاع الكابوس الثقيل الذي ران على صدر ليبيا طويلاً، وتأكد له قرب ميلاد نهار بهي بعد ليل ما كنا نتوقع أن شمسه ستشرق في أيامنا، وكنا نظن أن دهوراً سوف تمضي قبل أن يولد ذلك النهار. يضم الكتاب الجديد مقالات عديدة كان الكاتب الراحل قد نشرها في الصحف والدوريات والمطبوعات الليبية، ولا يوجد في هذا الكتاب ما يفيد عن زمن وأماكن نشر هذه المقالات، ولكن من خلال متابعتنا لكتابات الراحل نستطيع ان نخمّن بأن هذه الكتابات تعود إلى العقد الأول من الألفية الجديدة . ومن المرجح أن غالبيتها قد نشرت في صحيفة “الشط” الأسبوعية التي ارتبط الكاتب بنشر مقالاته على صفحاتها تحت زاوية كانت بعنوان: “جنان النوار”. وقد ترأس الكاتب رئاسة تحرير هذه الصحيفة في فترة من الفترات. وعلى الرغم من أن الكاتب ترك انتاجاً غزيراً ما زال يرقد في تلك الصحف والدوريات الليبية ، إلا أن ما تم جمعه في هذا الكتاب ربما يعطي القارئ لمحة عامة عن طبيعة اهتمامات الكاتب وأسلوبه في الكتابة ، فقد ارتبطت كتابات الراحل محمد طرنيش بالصحافة، وكانت مقالاته تخاطب شريحة قراء الصحف الليبية، حيث عكف المؤلف على تسليط الضوء على القضايا الإجتماعية برؤية نقدية فيها الكثير من الجرأة، خاصة حين يتعلق الأمر بممارسات السلطة التنفيذية، وهموم ومعاناة المواطن الليبي خلال العهد السابق، فقد كان الكاتب الراحل قريباً من نبض الشارع، يتمتع بقدرة بارعة على التقاط القضايا الإجتماعية التي تهم الناس، فيعالجها بلغة بسيطة واضحة، تنفذ إلى صلب الموضوع بغير مواربة، ويحللها بعقل نقدي جسور يقول في مقالة له بعنوان “هل بلادنا دولة نفطية؟”: (هل بلادنا دولة نفطية؟ اسمحوا لي بأن أشك في ذلك، فما يحدث في بلادنا وما نراه بأم أعيننا وما نسمعه بآذاننا ينفي تماماً بأن بلادنا دولة نفطية تعيش على جزيرة من النفط والغاز هبة من الله لا دخل لأحد فيها. صورة بائسة لمواطنين هم في الحقيقة هياكل بشرية تسير في الطرقات وتمشي في الأسواق هائمة على وجوهها حائرة في أمرها لا تكاد تراها حتى يخيل إليك أنها من بلاد بؤس ومجاعة… فالوجوه بتقاسيم جامدة والمشاعر باردة والقلوب متحجرة والعيون زائغة… أجساد هي للموت أقرب منها للحياة يؤكدها المثل الشعبي (حيين من قلة الموت).
وقد عرف الكاتب بكتابة المقال الصحفي الساخر، حيث يُسخر المؤلف موهبته في فضح الزيف والكذب وتزوير الحقائق، وكشف الأقنعة عن الكلام المنمق الذي يصدر عن الكثير من المتنفذين والمسؤولين، يقول في إحدى مقالات الكتاب: “منذ سنوات بعيدة ظهر علينا أحد المسؤولين في المرئية الليبية (والتي لم نكن نشاهد غيرها) يوضح لنا على خارطة ليبيا الفوائد التي سنحصل عليها من إنتاج مزارع الموز الليبي وأنه سيتم الإكتفاء الذاتي منه وسنُصدّر الفائض (……) بعده بسنوات ظهر علينا مسؤول في جهة أخرى من الوطن الحبيب يشرح لنا روعة مزارع الفستق الليبي وعدّد مزاياه وخصائصه الفريدة التي لايجود الزمان بمثلها. وفي نهاية المقال يختتم المؤلف هذه اللوحة الكاريكاتورية بعبارات قاطعة تحسم الموقف: “خلاصة الكلام يا سادة يا كرام أن كل ما شاهدتموه وما سمعتموه كان في إطار الأحلام الوردية التي أغرقونا فيها (أي أنها مشاريع في المشمش) لنستيقظ بعدها بسنوات لنجد أنها مشاريع وهمية محكوم عليها بالفشل قبل الشروع فيها…”
جانب آخر نجده في مقالات هذا الكتاب، حيث الإهتمام بموضوع السيرة الذاتية الذي يبدو أنه سيطر على ذهن كاتبنا الراحل في سنواته الأخيرة فنراه يسرد سيرة جوانب من تجربته في الحياة الصحفية والثقافية حين خاض العمل الصحفي مبكراً وهو ما يزال صبياً كما يروي لنا في مقالة بعنوان “مخبر صحفي على دراجة” وفي مقالة أخرى بعنوان “أيام في معهد التمثيل والموسيقى” يقدم لنا المؤلف جانباً من تجربته الدراسية حين انخرط طالباً في معهد للتمثيل والموسيقى وكيف تحصل على أول مكافأة له في حياته ثم ينتقل في مقالة أخرى ليسرد تجربته في العمل في أحد مصانع الأردية “دراجتي ومصنع الأردية” وبقدر ما ترسم لنا مثل هذه المقالات صورة المؤلف شاباً تارة وصبياً تارة أخرى فإنها في نفس الوقت ترسم ملامح اجتماعية وثقافية من صورة طرابلس خلال الستينات، فيتناول المؤلف المكتبات العامة والمراكز الثقافية في المدينة القديمة كما يتطرق إلى المكتبات المدرسية والنشاطات المدرسية ودورها خلال تلك المرحلة في اكتشاف المواهب وصقلهم ورعايتهم، ويتطرق إلى سوق الربع بالمدينة القديمة في مقال بعنوان “في سوق الربع كانت لنا أيام” وإلى نادي باب بحر الذي كان الكاتب أحد الفاعلين الأساسيين في نشاطاته في مرحلة من المراحل مقال “نادي باب بحر شكراً لكم”. والكاتب يروي ذكرياته عن الناس والأماكن في المدينة القديمة بسرد يعتمد الحكاية التي تستعيد شخصيات طواها الزمن، وتدفع بها إلى النور لتنبض مجدداً بالحياة بكلمات تنضح حباً وحنيناً لزمن مضى ولن يعود وشوقاً لأناس ذهبوا ولن يرجعوا ثانية مثلما نراه في مقالات أخرى يرثي أصدقائه من الوسط الثقافي والصحفي غيبهم الموت خلال السنوات الماضية مثل الراحلين بلقاسم المزداوي ومحمود النطاح ولم تمض سنوات قليلة حتى لحق بهما محمد طرنيش وسار في ذات الطريق الذي سبقاه إليه والذي سوف نلحق نحن أيضاً بهم في يوم ما ، تغمد الله كاتبنا وجميع كتابنا وأحبابنا بواسع رحمته وأدخلهم فسيح جناته).
الورقة الثالثة كانت للكاتب (يونس الفنادي) والذي بذل جهوداً طيبة في مساعدة منظمي الأمسية في الإعلان عنها بكل من قناة (الوطنية) الفضائية وقناة (الجوهرة) المسموعة وهذه الورقة نشرها في موقع (ليبيا المستقبل) الإلكتروني وموجودة به الآن ولم يتسن لنا الحصول على نسخة مكتوبة منها كما باقي الكلمات الأخرى فور انتهاء الأمسية ومن أصحابها مباشرةً ولهم كل الشكر.
مسك الختام في الورقات الرئيسية للأمسية كان بتوقيع المحامية والقاصة صديقة الراحل الأستاذة (عزة المقهور) وقد تكرمت مشكورة بإرسالها لي عبر البريد الإلكتروني أيضاً ووفرت بذلك جهد إعادة جمعها مرئياً.. وجاء في ورقتها تحت عنوان (ماذا لو كان طرنيش حياً ؟):
(مقالات طرنيش ومنها المنشور في هذا الكتاب… تتطرق إلى مواضيع أربعة:
1. الفساد واستشراؤه في بلادنا.
2. العلاقة ما بين المواطن والسلطة.
3. الصحافة.
4. المجتمع المدني.
كان قلمه حادا ومباشرا بل وساخرا كسخرية “ولاد المدينة”… ورغم أن هذا الزمن مختلفا بلا شك إلا أن كتابات طرنيش خاصة في مسألة الفساد وعلاقة المواطن بالسلطة ومشاكل الشباب والمرأة ماتزال قائمة… قال طرنيش عن الفساد: “ياسادة ياكرام… شئتم أم أبيتم، فلن تنجح خطوة واحدة نحو محاربة الفساد (إن كنتم صادقين) سوى بالمثلث الذي أخبرتكم به أكثر من مرة وهو: القضاء المستقل – الصحافة الحرة – مؤسسات المجتمع المدني – وغير ذلك (زنين نحل).. وكل شفافية وانتم بخير”. وعن العلاقة ما بين المواطن والسلطة: “كل بلاد العالم تسعى حكوماتها لراحة مواطنيها وتفعل كل ما في وسعها لكسب ثقتهم ورضاهم….. أما عندنا فالأمر يختلف… والادلة والبراهين.. أكثر من الهم ع القلب، فما من سبب يغضب الناس ويقض مضاجعهم ويزيد ضغطهم ويرفع سكرهم ويسهم في ارهاقهم صحيا وماديا، إلا وتسعى اليه مسرعة في تطبيقه، مستعجلة في تنفيذه…”. ويقول رحمه الله في جرأة نادرة: “ختاماً.. على المواطن الليبي أن يصبر ويتحمل وأن يثق كما يقول علماء الفقه في رحمة الله تعالى وكرمه وعفوه ورضاه ورحمته ، فلن يرضى سبحانه على الليبيين أن يعذبوا في الدنيا والآخرة”.
وعن الصحافة: “إن لم تكن (الصحافة) ضمير الشعب و مرآة الأمة ونبض الشارع فلا خير فيها”…” ولن تكون عندئذ سوى أبواق دعاية وفرق للطبل والتزمير أي (زمزامات)… ستكون صحافة (كل شيء تمام) نكالا ووبالا على المجتمع وسيعرض الناس عنها لأنها فقدت أثمن شيء لديها وسبب وجودها وهي المصداقية الوطنية”.
وعن الشباب في مقال “هل بلادنا دولة نفطية؟” “أما المعاكسات والمضايقات فقد وصل مداها في الإيذاء الجسدي وعن هذه الظاهرة لا تسأل فهي تساوي تماما العراك بالأيدي وربما سحب المسدسات لمن يحملها من ( الليبيين الدرجة الأولى) وإذا تعذر ذلك فيصل الأمر بقسوة لا حدود لها ولا تخيل لمقدار وحشيتها فتبدأ من عمود الحديد (طوبو بولشي) إلى دبوس من الخشب الزان الصافي، فالشباب فاضي عاطل لا طموح ولا أحلام ولا أمل في المستقبل غير قادر على الزواج فلاداعي للحب فالطريق الآخر أسهل وأقل كلفة”.
والسؤال… ماذا لو كان طرنيش حيا بيننا اليوم… قد لا ينال تكريما، لأننا لا نكرم الاحياء.. لكن هناك ماهو أشد إيلاما من هذا، طرنيش قبل أن يأخذه ملك الموت إلى عالم الأحياء.. كان في طريقه إلى بنغازي ليجلس في مقعد من المقاعد المخصصة لطرابلس في المجلس الوطني الانتقالي، ويشارك في ليبيا الجديدة، وهو الذي ذاق سنوات المر في سجن أبي سليم، ثم دخل وبقوة في العمل الحقوقي والأهلي، ومازلت أتذكر دوره الاساسي في فتح باب الزيارات للمساجين السياسين حينما كان مديرا تنفيذيا لجمعية حقوق الإنسان التي كانت القناة الوحيدة المسموح من خلالها بتحقيق مكاسب لهم، ودوره في صرف تعويضات للسجناء.. وغيرها من الأدوار الجليلة.
طرنيش كان مقعد التغيير في انتظاره ليحلق بليبيا إلى المكان الذي يحلم به… بمنأى عن الفساد، وعلاقة منضبطة وميسرة بين المواطن والسلطة، وصحافة حرة، ودولة ديمقراطية تنتهج مبادئ حقوق الإنسان ومبدأ تقاسم السلطات وتوازنها.
لو كان طرنيش حيا بيننا اليوم، لكان في صفوفنا ولما كان في صفوف السلطة، لهجرها غير مأسوف عليها قبل أن تهجره بقانون جائر هو قانون العزل السياسي الذي ينطبق عليه شرطان من شروطه ألا وهو أنه كان رئيسا لتحرير صحيفة الشط التي عادى السلطة من خلالها بمقالات “جنان النوار” وغيرها من التحقيقات والمقالات الجريئة التي كان يتحمل بشجاعة وزر نشرها، ولأنه في جو منغلق آثر أن يخوض غمار العمل الحقوقي في أرض مزروعة بالألغام وحقق فيه الكثير الذي لم نسمع عنه لأنه كان يعمل مبتسما في صمت. مازلت أتذكر طرنيش يجلس إلى جوار صديقنا المناضل محمد العلاقي في نهاية عام 2010 يتلوان التقرير السنوي للجمعية على العلن ويعلنان بجراءة انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا وسخرية طرنيش من وضع حقوق الإنسان حين انتقد أحد الحضور التقرير بأنه لم يكن دوريا فرد عليه طرنيش سريعا بأنه على الاقل لم يكن “ورديا”…
لو كان طرنيش حيا لوجد سبيلا لإصدار جريدته.. ولاستمر يحارب الفساد الذي إزداد شراسة في الفترة الانتقالية… ولعنون مانشتاته بعناوين ساخرة وأكثر جرأة ولقال أكثر من “زغردي ياليبية”، ولرأى رقم ليبيا في مرتبة الفساد يزداد تراجعا من 127 كما جاء في إحدى مقالاته إلى 172 من أصل 177 (الصومال- السودان- ليبيا- العراق) (تونس 77- مصر 114).
لو كان طرنيش حيا، لقارع السلطة التي انحرفت بالمسار الديمقراطي، وأقصت المناضلين وعزلتهم ووضعتهم في مصاف أعمدة السلطة الغاشمة إلا لأنهم حاولوا بما استطاعوا ولم يجلسوا تحت شجرة زيتون ينظرون إلى أصابعهم بلا مبالاة، أو ينتهجون طريق شخصي محض بجني الأموال. لقارع السلطة التي لا تريد فصلا ما بين السلطات أو تداولا سلميا ومشرفا لها…
لو كان طرنيش حيا لأنغمس رفقة صديقه عادل المشيرقي رحمه الله في العمل الأهلي بكل قواه، ولشارك في ملتقياته… العمل الأهلي الذي يزدهر رغم الأنواء وانتشار السلاح… لو كان حيا… لما كان هنا… كان هناك في محاولة لرأب الصدع و الدفع بالجميع نحو طاولة الحوار.. يقف خلفهم يشجعهم ويقول لهم أن ليبيا واحدة وأن لا مخرج لنا إلا بتشابك ايادينا الحنطية، ومسح دموع بعضنا البعض…
وكما قال طرنيش النبيل “ياسادة ياكرام اتقوا الله في وطنكم وليبيا لنا جميعا، وإن اختلفنا في محبتها وعشقها فلكل مجتهد نصيب”… “وإن الأمر يدعونا إلى تكاثف الجهود قولا وعملا من أجل ليبيا المستقبل… نؤمن بذلك ونفعله ونقوم به لا خوفا من أحد ولا طمعا في مكاسب… فهل وصلت الرسالة؟”…. هل وصلت الرسالة؟).
ثم فتح الباب للمداخلات حيث منحت الكلمة لكل من الأساتذة الأفاضل – مع حفظ الالقاب – (حسين المزداوي) و(مصطفى حقية) و(عبد الله بورقيبة) و(سعيد بن حامد).. وتلخصت الكلمات في سعادتهم بصدور الكتاب وسرد بعض ذكرياتهم مع الراحل (محمد طرنيش) والترحم عليه وتوجيه الشكر لوفاء أصدقائه له وحرصهم على جمع أعماله وإحياء ذكراه.
وشارك في الختام الشاعر (عبد المولى البغدادي) بقصيدته عن الراحل بعنوان (يا أبا مصعب.. فراقك صعب).. حيث أن ابن الراحل الأوسط والذي كان متواجداً خلال الأمسية يحمل اسم (مصعب) وقد أطلقه عليه والده الراحل منذ ولادته تيمناً باسم الصحابي الجليل (مصعب ابن عمير).. وهذه القصيدة سبق للشاعر أن ألقاها في حفل تأبين صديقه الراحل بمركز جهاد الليبيين بتاريخ 2 يناير 2012م.
وفي نهاية الأمسية جاءت مداخلة للسيدة (أحلام محمد الكميشي) الزوجة الثانية للراحل شكرت فيها الحضور الكريم على اهتمامهم بالمشاركة في إنجاح الأمسية رغم الأخطار الأمنية بطرابلس هذه الفترة وشكرت وزارة الثقافة والمجتمع المدني التي اصدرت الكتاب المحتفى به وتوجهت بالشكر لكل من الاستاذة (أسماء الأسطى) والأستاذ (حسين المزداوي) والأستاذ (نصر الدين الجراري) والأستاذ (محمود اللبلاب) على الدور المهم لكل منهم حتى صدر الكتاب للنور.. كما شكرت دار الفقيه حسن والقائمين عليها على مساعدتها في تنظيم الأمسية وشكرت السيدة (كميلة بريدان) على ما سلمته لها من مقالات لزوجها من أرشيفها الشخصي مبوبة ومفهرسة.. وأعلنت عن اقترابها من استكمال الإعداد لصدور كتابين آخرين للراحل الكبير (محمد طرنيش) فيهما تجميع للمزيد من مقالاته في مجلة (لا) و صحيفة (الشط).
وختمت الأمسية بمشاركة من (جهاد) الإبن الأصغر للراحل (محمد طرنيش) والذى ألقى نصاً حفظه في الروضة للمشاركة به في الحفل الختامي للعام الدراسي الحالي.. يقول النص:
(أحب أن أكون.. ذلك الصحفي..
أكتب في السياسة.. وأكتب الأدب..
أو انقد الفنون.. واعرض الكتب..
الصدق فيما أكتب.. أغلى من الذهب)
وخلال الأمسية تجولت كاميرا المصور المبدع صديق الراحل الأستاذ (عبد الحفيظ نشنوش) في مجهود شخصي كريم منه لأجل توثيق حدث مهم لصديقه الراحل وحفظه للزمن.. وكاميرا أخرى لمصور نشيط من صحيفة (الأيام) تنقل كل منهما في عديد الزوايا لتصوير الأمسية والمساهمة في نقلها ليشاهدها من لم يتمكن من حضورها.. وفاتني معرفة اسم المصور الآخر وإن كان أخذ على عاتقه مهمة التصوير بكاميرتي الشخصية هذه الصور الجميلة التي تشاهدونها مرفقة بهذه التغطية. ومع حلول الساعة 8:00 مساءً تقريباً أعلن الأستاذ الفاضل (مفتاح قناو) مدير الأمسية عن اختتامها ودعا الحضور للتوجه نحو البوفيه البسيط المعد كضيافة لهم.
رحم الله كاتبنا الراحل والمناضل الصادق والفارس الحقيقي (محمد طرنيش)
يُذكر أن كتاب (جنان النوار) صدر برعاية وإشراف وزارة الثقافة والمجتمع المدني.. وأن الكاتب الراحل قد غادر دنيانا الفانية في 19 يوليو 2011 م.