المقالة

العلاقة الليبية التونسية علاقة تاريخ وحاضر

ليبيا وتونس
ليبيا وتونس

العلاقة الليبية التونسية، علاقة تبدأ ولا تنتهي، فهي ارتباط وثيق منذ الأزل، بل لن نجفي الحقيقة إن قلنا: إنما هما شعبا واحد قسم إلى دولتين، فعليا لا شعارات أو كلام للتسويق، كما يفعل البعض في وصفه لبعض العلاقات العربية – العربية.

المهم إن العلاقة لها الكثير من الارتباطات وعلى كل المستويات: الشعبية والرسمية والاجتماعية والاقتصادية، فالدولتان لا تستطيع إحداهما الاستغناء عن الأخرى، مهما حاول البعض التفريق بينهما، سواء كانوا سياسيين أو مسؤولين أو غيرهم، وأعتقد أنه كانت هناك تجارب ماضية من قفل للحدود المشتركة، إلى قطع للعلاقات، إلى غير ذلك، ولكن كلها لم تصمد طويلا.

فتونس كانت في كثير من الأوقات الملاذ الأمان لليبيين، كلما واجههم خطر داهم طوال التاريخ، وبالتأكيد العكس.. ولعل ما كان عند الغزو الإيطالي لليبيا من هجرة جزء كبير من أبناء الشعب الليبي إلى الجارة تونس، والإقامة بها لسنوات عديدة، حتى أصبح بعضهم مواطنون تونسيون حتى اليوم والعكس.. فهناك عائلات ذات أصول ليبية في تونس، وهناك عائلات ذات أصول تونسية في ليبيا.. بل هناك معلومات ودراسات تقول إن ما يقارب من ربع سكان تونس، هم من أصول ليبية والعكس أيضا.. لا أريد التعمق في التاريخ طويلا، لأنه لا ينتهي عند الحديث عن الشعبين وما جمعهما طوال التاريخ، من سلطات وحدتهما أحيانا، وفرقت بينهما أحيانا أخرى.. ولا أين تقف حدود هذه الدولة الفعلية أو تلك.. لكن سنعود للحاضر المعاش لنرى أهمية كل دولة لشعب الدولة الأخرى!

فتونس كما كانت ملجا لليبيين في القرن الماضي، كما قلنا عند الغزو الإيطالي، كانت ملجا لهم مرة أخرى في 2011م، بداية لمن كانوا مع فبراير حيث كانت مقرا للكثير من العمليات، ثم تحولت ملجأ لمن أصبحوا مطلوبين من قبل السلطات الجديدة، ولهذا فإن العلاقة متواصلة في هذا الأمر حتى اليوم.. أما على مستوى العلاقات الاجتماعية فحدث ولا حرج، فالمصاهرة بين الشعبين بل والأصول الواحدة لكثير من القبائل أمر لا يجهله إلا جاحد أو جاهل، فما يجمع بين أبناء البلدين من ارتباطات اجتماعية ربما يفوق ما يجمع بعضهم مع أبناء الوطن الواحد في أماكن ثانية من الوطن، ومن هنا كانت أسس العلاقات أمتن من كل محاولة العزلة والمقاطعة.. فالمصلحة المشتركة وخاصة الاقتصادية، تجعل من الصعب استغناء إحداهما عن الأخرى، فتونس أصبحت توفر العلاج والسلع والإقامة وغيرها من أمور يحتاجها الليبيين.. فيما توفر ليبيا لتونس فرص العمل وإن قلت، في ظل الظروف الحالية، ولكنها توفر لهم داخلا كبيرا لمن يذهبون إليها سوى من أجل العلاج أو التجارة أو حتى الإقامة أو السياحة.. فما يُدخله الليبيون للخزينة التونسية، وإن كان أكثره يصل مباشرة لأصحاب المصلحة الحقيقية؛ وهم الشعب، من خلال التعامل المباشر أكثر مما يوفره لهم غيرهم من شعوب.. فأصحاب العيادات والصيدليات والمحلات التجارية والبيوت المؤجرة والمواصلات وكل أنوع الخدمات، أصبح الكثير منهم يعتمد في دخله على تواجد الليبيين وأموالهم..  ولا ننسى ما توفره التجارة الموازية، من تهريب سلع ووقود من فرص عمل وأموال لجزء كثير من التونسيين، وخاصة في المناطق الجنوبية والحدودية منها تحديدا، حتى أصبح اعتماد هذه المناطق على ليبيا والليبيين أكثر من اعتمادهم على دولتهم وسلطاتهم الرسمية، التي ربما وجدت من يملأ فراغا اقتصادية لم تقوم هي بتعبئته لهم.

فأصبح ارتباطهم الاقتصادي بليبيا أكثر من ارتباطهم بدولتهم بشمال البلاد.. لهذا أصبحت هذه العلاقة علاقة استراتيجية لكلا الدولتين، ولا يستطيع أيا منهما الاستغناء عن الآخر مهما حاول البعض تغير هذا الواقع بسبب تصرفات أفراد أو جماعات من هذه الدولة أو تلك.. ولكن علاقة الشعوب ومصالحهما المتربطة أكبر بكثير من كل تلك المحاولات التي بالتأكيد بها عديد السلبيات التي تحتاج إلى معالجة من الدولتين لنزاع أي سبب يمكن أن يعكر هذه العلاقة المتميزة، التي تجعل من البلدين شعبا واحدا في دولتين، رغم كل التعنت أو الرفض من البعض.. لكن الواقع أقوى من كل ذلك وأكثر تأكيدا لهذا الكلام، فهل يعي الجميع من أبناء البلدين هذا الامر؟ ويعملان من أجل مصلحة البلدين والشعبين أم إن مصالحهم تتعرض مع مثل هذا الامر؟

هذا الكلام لا يعني أن تترك الأمور دون تنظيم ومراقبة، وفتح الأبواب على مصراعيها لضرب القوانين في كلا الدلتين! بل يجب أن تكون العملية وفق القوانين وبإجراءات منظمة واحترام متبادل، وتسهيل الدخول بينهما عبر المعابر، خاصة البرية منها والتي أصبحت معابر معاناة وجحيم، في ظل الأوضاع المعروفة بسبب عدم التنظيم والفوضى، ومحاولة استغلال ضعاف النفوس من الطرفين، من أجل الحصول على مكاسب ومصالح خاصة.

مقالات ذات علاقة

زمن الحروف الجميلة

سالم الكبتي

خمسون.. أو القديسون والحصاد

سالم الكبتي

دم يكتب نفسه ونحن نقرأ

محمد الأصفر

اترك تعليق