متابعات

الحصادي يتناول موجز تاريخ الفلسفة

محاضرة بعنوان (لمن نلجأ حين تختلط علينا الأمور) للدكتور “نجيب الحصادي”

في إطار تنظيمه لسلسلة من المناشط والفعاليات الثقافية بالتعاون بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة والتنمية المعرفية أقام مجمع اللغة العربية ظهر يوم الأحد 17 من شهر ديسمبر الجاري محاضرة للباحث الدكتور “نجيب الحصادي” بعنوان (لمن نلجأ حين تختلط علينا الأمور) الذي كرَّمه المجمع بتسليمه لدرع الضاد وسط حضور لفيف من المثقفين والأكاديميين وأعضاء المجمع.

الإرهاصات الأولى

بدوره تطرق الدكتور الحصادي في عرضه الفلسفي بالقول إلى أن الإنسان عبر التاريخ قد دأب على اللجوء إلى السماء تارة ليُحمِّلها أعباء عيشه على وجه الأرض، وتارة أخرى ليطلب مساعدتها في حملها عنه غير أنه مافتئ يعود إلى الأرض كما لو أن الحنين يعصف به إلى الطين الذي جُبل منه، وقد ظل مراده في الحالين فهم العالم والسيطرة على مقدراته وإن توسل في تحقيق هذين المرادين أساليب عديدة ومتنوعة ففي البدء ألقى السحرة بعصيهم يستجدون عطايا السماء بعد أن قرّ في أنفسهم أنها موطن أرواح تتحقق في مصائر البشر ثم ألقى المؤسطورن بنظراتهم إلى السماء محلقين في فضاءات الخيال بعد أن وجدوا فيها سلوانا يبدد مخاوفهم من الطبيعة، وموئلا للإجابة عن أسئلة استعصت عليهم فيما ظلت سموات الخيال محجة الفنانين، ومَعين أعمال يشاكسون بها الواقع ويقاومون قبحه وجوره مُرّ علقمه وأجاج ملحه.

تمظهرات الاحتكام إلى العقل
كما أضاف الدكتور الحصادي أنه مع نزول الأديان لجأ الإنسان مرة أخرى إلى السماء فالتمس في الكتب المقدسة مصدرا لمعارفه واستمر الأمر معه على هذا الحال رِدحا طويلا من الزمن بل استمر مع بعض الأمم إلى يومنا الناس هذا، وأردف قائلا : إنه من الرمزيات اللافتة على هذا الصِنف من الصعود صوب السماء رفع الله مسيحه، ومِعراجه بحبيبه (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى، وأشار الدكتور الحصادي أنه بدءا من القرن الثالث قبل الميلاد تمظهر أول إعمال صريح للعقل عند الفيلسوف سقراط في إنزاله للفلسفة من السماء إلى الأرض بتحوله من البحث في القضايا الميتافيزيقية إلى البحث في قضايا الإنسان، وعلى الرغم من أن الفيلسوف أفلاطون عرج بطريقته إلى السماء متمثلة هذه المرة في عالم المُثل ظل أرسطو متشبثا بالأرض بتوكيده العقل والحس بوصفهما الحاستين الأقدر على معرفة ما يعتمل في الكون من ظواهر وأسرار، وما يحكمه من نواميس ومبادئ.

إعمال العقل على النقل
بينما لفت الدكتور الحصادي إلى أن غالبا ما تماعى إعمال العقل مع الزعم بمركزية الإنسان في علاقته بسائر الكائنات وبمركزية الأرض في علاقتها بسائر الأجرام، وقد تبيّن هذا الأمر في الفلسفة والدين عبر مثنوية السموات والأرض فضلا عن علم الفلك من خلال نظرية بطليموس التي سيطرت على الفكر البشري ما يربو على ثلاثة عشر قرنا، واستطرد الدكتور الحصادي بالتأكيد قائلا : غير أنّا عدنا إلى سديم السماء من خلال فلسفات العصور الوسطى وعلمي الكلام واللاهوت حيث الأولوية للنقل على العقل فلم يكد يستثنى من ذلك إلا المعتزلة اللذين أكدوا علوية العقل وابن رشد الذي أثّر في تدشين عصر الأنوار في أوروبا، وتابع بالقول : وفي القرن السادس عشر انبلج العصر الحديث على يد الفيلسوف “رينيه ديكارت” بجعله اللجوء إلى الله في قباب سمائه ضامنا سرمديا لقدرة الإنسان في أقبية الأرض على معرفة العالم غير أنهم أشاح في النهاية بوجهه عن السماء حين حاول التأسيس للمعرفة العلمية، وحين ارتأى أنه نجح في الرد على الشُكّاك والملاحدة، وأن هذا يعطيه الحق في إناطة مهمة فهم العالم بالمعامل بعد أن كانت هذه المهمة منوطة بالمعابد.

سيطرة الوضعية المنطقية
وأوضح كذلك الدكتور الحصادي أن سادة رجالات التنوير وعلى رأسهم فولتير نجحوا في إعادة الاعتبار إلى مكانة الإنسان بالتأكيد على أهمية العقل الذي يتفرّد به عن سائر كائنات الكون، ومنذ مطلع القرن العشرين أي ما يربو عن سبعة عقود سيطرت الوضعية المنطقية التي وجدت في العلم أوج مراتب العقلانية إذ اعتبرته المصدر الوحيد للمعرفة، ووفق مبدأ التحقق أنكرت الأديان قاطبة والميتافيزقة بأسرها والأخلاق برمتها ليس بسبب عجز البشر عن معرفة أحكامها حسب تصور كانط بل لأنها ليست أحكاما أصلا ما يجعلها خالية من أي معنى.

مقالات ذات علاقة

الفاخري والحاسي يوقعان أغنيات للظلال وصلاة أخيرة

مهند سليمان

كتاب إستقلال ليبيا

المشرف العام

الاحتفال باليوم العالم لحرية الصحافة

المشرف العام

اترك تعليق