في عام 2008م قدَّم طالب دكتوراه خليجي، يدرس في قسم العقيدة لأستاذ مادة (نوازل عَقَدية)، بحثا عنوانه: (دراسة عَقَدية لكتاب ـ النقد الثقافي ـ تأليف: الدكتور عبد الله الغذامي).
والبحث ليس ـ كما زعم الطالب ـ دراسة لكتاب الناقد الأدبي السعودي المعروف الدكتور عبد الله الغذامي، بل هو محاكمة لعقيدة الرجل والأدلة على مخالفتها، وأنا سأستعرض القليل مما جاء في هذه المحاكمة.
أولا: نقل الطالب عن كتاب الناقد الغذامي قوله: ((والأمة ذات التاريخ العظيم في فتوحاتها المجيدة، لم تحقق فتوحات مماثلة في المجال الفكري والعقلي والاجتماعي)).
علٌّق الطالب على هذه العبارة بقوله:
الواجب على الدكتور الغذّامي، وكل مسلم ومسلم، بل والبشرية جمعاء: الفرح بهذه النعمة العظيمة، ومعرفة قدرها، وإيفائها حقها …. لا أن يُقلَل من شأنها ويزهد في خيرها ويحط من قدرها، والله المستعان.
ثانيا: علَّق الطالب على قول الغذامي بأن الشعر هو ((علمنا الذي ليس لنا علم سواه)) فقال: فأين العلم الذي ورّثه نبينا؟
أليس هو القائل: ((إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر))؟!
أين موقع الوحي الإلهي المنزل من ثقافتنا؟!
أين جهود علماء الأمة على مر التاريخ الإسلامي؟!
ثالثا: قال الطالب: ((وإن العجب من الدكتور الغذّامي حيث يشير إلى آية {يقولون ما لا يفعلون} فيقول: < والشعراء يقولون ما لا يفعلون، حسب التعبير القرآني …>، فلا يورد نص الآية، ولا يعزوها إلى سورتها.
فهل يجهل الدكتور الغذّامي أن في القرآن سورة باسم سورة الشعراء؟! فإن كان لا يدري فتلك مصيبة، وإن كان يدري ثم لم يذكر هذا في كتابه الذي جل حديثه فيه عن الشعر وأثره على العرب وثقافتهم: فالمصيبة أعظم.
وأنقل لك أيها القارئ ما جاء في الصفحة الأخيرة من البحث، وفيها دوّن الطالب أهم النتائج التي توصل إليها في بحثه وما يوصي به الناقد الغذامي والأمة الإسلامية.
أهم النتائج:
1-إن أهم ما يمثل هويتنا الثقافية هو قيم الإسلام: عقائده وشرائعه.
2-بميزان هذه الهوية الثقافية يكون تقييمنا الثقافي لكل ما يجد أو يحدث.
3-منشأ الخطأ عند الدكتور الغذّامي هو إقصاؤه قيم الإسلام عن ثقافة الأمة.
4-تنصل الدكتور الغذّامي عن الرجوع للقرآن الكريم، وكأنه لا علاقة له البتة بثقافة الأمة.
5-الكتاب يمثل دعوة للحداثة بمعنى نبذ كل ما هو رجعي موروث بلا استثناء.
6-لم ينجح الدكتور الغذّامي في تستره بنقد الشعر عن نقد ما وراءه من قيم الأمة.
7-الحداثة تُخفي العداء للعقيدة الإسلامية وتبطنه، والأمر كما قال الله {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر}.
8-أورد الدكتور الغذّامي نقولات لبعض الحداثيين لا تحتمل إلا الكفر، وتحذلق في الاعتذار لهم، مع إغفاله لنقولات أكثر وضوحاً وصراحة في كفريتها، لكنه انتخب شيئاً وترك آخر، تبعاً لميزانه الثقافي. –
وأهم التوصيات التي أوصي بها:
1-الاعتناء بدراسة ما ينزل إلى ساحة الأمة العقدية، وتتبع أثره ومناقشته.
2-أوصي نفسي والدكتور الغذّامي وجميع المسلمين بضرورة الاعتزاز بديننا وقيمه، والتمسك بها، فهذا سبيل النجاة.
3-لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.
هذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
هذا أهم ما جاء في المحاكمة، فقد ترك طالب دكتوراه قسم العقيدة كل الموضوعات التي تتصل بتخصصه، وأمسك بتلاليب المسكين الغذامي، وراح يقذفه بأخطر التهم التي لو وجدتْ مسؤولا أحمق يأخذ بها ربما أدَّتْ إلى استتابة الناقد أو استباحة دمه، ولو أن الطالب فهم الكتاب جيدا، وأخذ نسقا من الأنساق الثقافية التي ذكرها الغذامي كالنفاق مثلا، ودرسها دراسة منهجية تجمع بين العقدي والثقافي لكان أجدى وأنفع، ولكنه اندفع بحماسته وعاطفته الدينية وحساسيته من كل ما هو دنيوي وحداثي ، ليؤكد أنه محام فاشل يدافع عن قضية عادلة بخطاب عاطفي متعالٍ على الآخر وبشخصية مهووسة ومنتفشة بالغرور والشك في صحة عقيدة الآخر وتدينه ، وهذه الشخصية المتوترة للأسف تماثل شخصية كثير من المتفيقهين المنتشرين في ربوع العالم الإسلامي.
أسأل الله تعالى أن يكون الطالب الذي أتوقع أن يكون الآن أستاذا قد تجاوز مرحلة المراهقة الفكرية، وزيّن شخصيته بالعلم والرزانة والتواضع.. غفر الله لنا وله.