(1)
في بدايةِ القرن العشرين وصف الدكتور الزهايمر مرضًا خطيرًا عُرف فيما بعد باسمه؛ كانت الحالة تتعلق بامرأةٍ في الخمسين تعاني من ضعفٍ في الذاكرة ومن فقدان الحسّ بالمكان والزمان ومن الغيرةِ المفرطة ومن عدم القدرة على الحديث والعجز عن اتخاد أبسطِ القرارات.
قد لا يكون الأمرُ مهما لو أصاب المرضُ امرأة مفرطة الغيرة ولكنه قد يدعو إلى القلق عندما نكتشف قائمةً هائلة من ضحاياه تشمل عددًا من المبدعين والمجددين في مختلف المجالات الأدبية والفكرية التي أثرت في مسيرة الحضارة المعاصرة.
(2)
يشكل مرض ألزهايمر مشكلة صحية كبيرة في المجتمعاتِ الغربية وأمريكا حيث تؤكد الإحصائيات إصابةَ أكثر من ستة ملايين به في أمريكا وحدها ويعتبر هذا المرض حسب رأي “البير فيسك” الأستاذ الأسبق بجامعة وسكنسون هو رابع مسببات الوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية ويشغل هذا المرض نصف وقت الممرضات العاملات خارج المستشفيات وتبلغ تكاليف المرض أرقاما تزيد على أربعين مليارا من الدولارات سنويا.
وانتشار المرض في الولايات المتحدة ليس أمرًا جديدًا فلقد كثر الحديث عن مرض الزهايمر منذ نصف قرن وأثار مخاوف الأوساط الطبية والسياسية مما دفع البيت الأبيض إلى إقامة مؤتمر طبّي لمعرفة أسباب هذا المرض القاتل وحاولت البحث عن علاج له . حدث ذلك عام 1981 .. لا ننسى أن أحد ضحايا ذلك المرض كان أحد الذين حكموا أمريكا.. رونالد ريغان.
(3)
للمرض أعراضٌ معروفة منها ما يتعلق بالسلوك وأخرى بالذاكرة، وعادة ما تكون مشكلات الذاكرة هي أولى علامات المرض ويتعلق الأمرُ في البدايةِ بالذاكرة القريبة حيث يعجز الإنسان عن تخزين معارف جديدة ثم ترحل الذاكرة شيئا فشيئا فينسى المريض ما تعلمه ولا يبقى له في نهاية المطاف سوى السلوك الفطري مثل الأكل والشرب، ويتحول سلوك المريض إلى سلوك طفل رضيع.
ويحسّ المريضُ بأعراض المرض في بدايته حيث يتألم بسبب عجزه عن تذكر أسماء الآخرين ثم عجزه عن معرفةِ ذاته وهويته وجسده أحيانا وقد يشعر المريض في البداية بأن ثمة شخصا آخر غريبا لا يعرفه يمشي معه في كل طريق، ينام بجانبه، يلتقط أنفاسه وينتاب المريض شعورٌ مريبٌ عندما يعجز عن التعرف على صورته في المرآة.
ويفرق الأطباء بين مشكلات الذاكرة الناتجةِ عن مرض الزهايمر والأخرى الناتجة عن الشيخوخة حيث أنّ المرضَ لا علاقة له بالكبر بل قد يصيب أشخاصا في منتصف العمر كما سنرى عند عدد من الكتاب والأدباء.
وينتج المرض بسبب تغيرات في دماغ المريض ومن تلك التغيرات ما
يُرى بالعين المجردة وهو ضمور بالطبقات العليا من الدماغ وخاصة في مقدمته وهي المناطق المسئولة عن الذاكرة والتعلم والإبداع، ومن التغيرات ما لا يُرى بالعين مثل موت الخلايا العصبية وتلف الجسور التي تربط بينها.
سوف نتناول في الأجزاء القادمة عددا من الكتاب والمفكرين كانوا ضحايا لهذا المرض.