تقارير

لمحة عابرة عن مبنى بلدية سوق الجمعة

صلاح الدين الفنادي

مبنى بلدية سوق الجمعة
مبنى بلدية سوق الجمعة

مبنى بلدية سوق الجمعة المتعارف عليه، والذي يقع على يمين القادم من الجهة الغربية في اتجاه ميدان سوق الجمعة وعلى الطريق العام مباشرة، وهو مبنى حكومي يعود تاريخ بنائه إلى فترة الحكم الفاشستي الإيطالي (1922 / 1943 م)، وكان في بداية نشأته يستخدم من طرف متصرف سوق الجمعة الإيطالي، ثم تحول إلى مكان سكني حكومي، وكانت وزارة الإسكان والمرافق تخصصه للأشخاص الذين يتولون وظائف قيادية أو مهمة بداية من عام 1953 م عندما دخلته عائلة المرحوم الشيخ رمضان طالب.

وكان المبنى يحتوي على أربع شقق سكنية بمداخل ثلاثة قبل أن يصبح مبنى إداري عام يخصص كل فترة لجهة معينة بداية من كونه مبنى ومقر لبلدية سوق الجمعة. والمداخل المعنية كانت مخصصة كل منها لمبنى سكني مستقل عن غيره وهي:     

 أ ــ المدخل الشمالي:   

 المطل على طريق سوق الجمعة الرئيسي، والمؤدي إلى سكن مستقل، وأخر من شغله عائلة المرحوم الشيخ رمضان طالب القاضي المعروف والعالم المتمكن في العلوم الشرعية، والمجتهد في علوم القرآن الكريم بصفة خاصة، ويحدثنا تاريخ هذا العالم المتمكن أنه كتب المصحف الشريف كاملا بخط يديه وبقراءة الإمام نافع المدني عن رواية الإمام ورش، وبرسم الإمام (الخراز) المعروف والمنتشر ببلاد المغرب العربي وغرب إفريقيا وبعض قرى صعيد مصر. وجاء المصحف المذكور متكاملا شاملا في الضبط والرسم والأحكام ، ولم تسجل عليه أي هفوات ، ورغم ذلك تعرض الشيخ المذكور ومصحفه إلى حملة شعواء ونقد شديد تزعمها بعض المشائخ الذين كانوا يرتزقون من الأوقاف ، في حين تنقصهم الخيرة والتأهيل فخافوا على وظائفهم والامتيازات المادية والمعنوية التي كانوا يحصلون علبها بحكم سيطرتهم على ساحة الأوقاف ( والتاريخ يعيد نفسه وهو ما يحدث في الأوقاف اليوم ) ، وقد ترتب عن تلك الحملة الشعواء صدور حكم قضائي جائر يقضي بعدم إجازة ذلك المصحف ، وحرق النسخ المتوفرة منه ، ولا تزال عائلة المرحوم الشيخ رمضان طالب من خلال أبنائه البررة متابعة مصير المصحف المذكور . وعندما ترك الشيخ رمضان طالب الوظيفة العامة، سلم البيت الذي يسكنه بالمبنى إلى الجهات المختصة. وللشيخ المذكور أبناء لهم مكانتهم الاجتماعية داخل منطقة سوق الجمعة وخارجها، وقد حرص الشيخ على تسميتهم بأسماء تاريخية مركبة لا يفقهها يومذاك إلا نفر قليل من أهل الثقافة والعلم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (محمد رشاد للمرحوم الأستاذ رشاد، حسن فوزي للأستاذ حسن طالب المشهور، معاوية الفاتح للدكتور أخصائي وأستاذ الباطنة معاوية طالب المشهور، محمد علي للسيد محمد طالب، وسليمان خيري للمرحوم سليمان……. إلخ).

ب ــ المدخل الشمالي مكرر: 

وهو المطل أيضا على طريق سوق الجمعة الرئيسي، والمؤدي إلى سكن مستقل يقابل سكن أسرة المرحوم الشيخ رمضان طالب، وأخر من شغله عائلة المرحوم الصادق الطويل، وهو من سكان منطقة عرادة بسوق الجمعة، وكان يعمل بقطاع الشرطة، وعندما سلم سكنه هذا للدولة خصص لشخص إيطالي يدعى (أنجلو) وكان وظيفيا يعمل مسئولا عن شبكة مياه الشرب بسوق الجمعة.

ج ــ المدخل الشرقي:  

ويدخل إليه من زقاق في نهاية سور المبنى من الجهة الشرقية المجاور لرحبة بيع الحبوب، وأخر من سكنه أسرة المرحوم الشيخ حسن الغدامسي القاضي المشهور والمتمكن في علمه، الجاد فب عمله ووظيفته، الشديد مع الخصوم في الحق، الحريص على إقامة الحق والعدل تحت أي ظروف. وهو من الدارسين في مصر في وقت مبكر في أربعينيات القرن المنصرم، وأصله من مدينة الزاوية الغربية (يقال لها الزاوية الغربية تمييزا لها عن الزاوية الشرقية بالجبل الأخضر والتي تعرف بزاوية العرقوب)، وعاش فترة طويلة في سوق الجمعة، ثم انتقل للإقامة بمنطقة قرقارش (حي الأندلس). ولا زال بعض أبنائه يقيمون في سوق الجمعة وعلى رأسهم المهندس الزراعي عبد الرزاق حسن الغدامسي المتخرج من كلية الزراعة بطرابلس عام 1973 م، والمشهور بالمواصلة الاجتماعية وبقضاء حوائج الناس عامة في مجال اختصاصه.

وبالمناسبة فإن كافة أولاده لهم حضور واحترام بسوق الجمعة ، ويعتبرون من الذين درسوا في مدارسه ، كما أتشرف بأن ابنتيه ( نجاة ، وداد ) كانتا من تلميذاتي بمعهد 10 مارس للمعلمات بسوق الجمعة خلال الفترة 1978 / 1980 م ، حيث تخرجن من القسم العلمي إجازة التدريس الخاصة عام 1980 م ، وعملن معلمات بالشق الثاني من مرحلة التعليم الأساسي بسوق الجمعة وحي الأندلس ، وبالمناسبة أيضا فقد طورت الأستاذة ( نجاة ) من نفسها وثقافتها وتخصصها ، حيث حصلت على ليسانس الآداب تخصص لغة عربية ، وتبوأت مركزا مهما في قطاع التكوين والتدريب المهني .

 د ــ المدخل الغربي:

ويلج إليه سكانه من خلال ( سلم ) خارجي مطل على مدخل مستوصف الأمومة والطفولة ، وآخر من سكنه المرحوم الأستاذ عمر المرابط شقيق كلا من الإعلامي المشهور والمخرج الإذاعي ( عبد العلي المرابط المعروف بعبدو الطرابلسي ) والأستاذ عبد السلام المرابط موجه التربية الفنية المشهور بتعليم طرابلس ، والمرحوم الأستاذ عمر المرابط من كبار موظفي وزارة الزراعة في أخر خمسينيات وبداية ستينيات القرن المنصرم ، ومن أهمية الوظيفة التي كان يشغلها ، كانت وزارة الزراعة مخصصة له سائقا وسيارة ( أوستين سوداء ) ، وكنا ونحن في بداية المرحلة الاعدادية نشاهد وبكل الوضوح هذا السائق وهو ينتظر الأستاذ عمر صباحا ونحن على درجاتنا في طريقنا إلى مدرسة سوق الجمعة الاعدادية ، وقد ترسخ هذا المنظر أمام أنظارنا ولم يفارقها .

والمرحوم الأستاذ عمر المرابط متزوج من المرحومة معلمة الأجيال بسوق الجمعة الأستاذة (مهدية محمود الرفاعي) أصيلة مدينة الخمس، والتي تشرفت وأفتخر بأني كنت أحد تلاميذها بالصف الأول الابتدائي خلال العام الدراسي 57 / 1958 م بمدرسة جامع القريو الابتدائية (حليمة السعدية فيما بعد)، وقد زرناها نحن مجموعة من تلاميذها بهذا البيت.                                                                                ومن الذكريات الجميلة والتي لا تنسى، أنها كانت تأتي إلى المدرسة في الحافلة المعروفة بخط رقم 6 (جامع بنت البي) ومعها طفلين توأم صغيرين، يدعى أحدهما فتحي المرابط وقد توفي إلى رحمة الله مبكرا، في حين يدعى الثاني فيضي المرابط، وهو اليوم الأستاذ الدكتور بقسم الخدمة الاجتماعية بكلية الآداب جامعة طرابلس، ووكيل الجامعة لاحقا، وهو من أصدقائنا المخلصين.

هذا وقد استمرت علاقتي بالأستاذة مهدية الرفاعي منذ أن عثرت عليها مصادفة وأنا أقوم بدراسة وتحليل معلومات احصائيات مدارس التعليم الأساسي ببلدية طرابلس، وأثناء زيارة عام 1984 م لمدرستها التي تعمل بها وهي يومها معلمة بمدرسة العصماء بالفرناج، وأنا مدير إدارة التعليم الأساسي بتعليم بلدية طرابلس، كذلك أوعزت إلى الأستاذ المحترم (رشاد خالد بشر) مراقب تعليم سوق الجمعة حيث شملها بحفاوة التكريم بعد احضارها إلى مبنى المراقبة رغم حالتها الصحية، وتشرفت بإلقاء كلمة بالمناسبة. 

 ولم تنقطع علاقتي وزياراتي لها حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى في الآونة الأخيرة، رحمها الله وجزاها عنا خير الجزاء وغفر لها.

ومنذ خروج هذه الأسر من ذلك المبنى سقطت عنه الصفة السكنية وأخذ صفة المبنى الإداري ، وأول من شغله بلدية سوق الجمعة سواء عندما كانت على مستوى فرع بلدي ، أو على مستوى بلدية أو عندما أطلق عليه اسم ( اللجنة الشعبية للمؤتمر ) وخاصة على أيام كلا من الأستاذ محمد نصر شلابي ، والمرحوم المهندس محمد جابر الكريكشي ، وأحيانا تكون إحدى المراقبات أو المكاتب شريكة للبلدية في هذا المبنى كما حدث عندما اتخذ قطاع التعليم مقره في الدور الأول من هذا المبنى على أيام مراقبي التعليم الأساتذة محمود محمد بكار ، ومحمود محمد دوزان ، وأحمد صالح فرحات ، ونورالدين محمد الشكاحي ، في حين بقيت البلدية بالطابق الأرضي ومعها مكتب الأحوال المدنية .

 وفي عام 1967 م أرسلت متصرفية سوق الجمعة كتابا لجميع الأسر التي كانت تقطن مبنى بلدية سوق الجمعة تخطرهم فيه بضرورة إخلاء المبنى بالكامل نظرا لرفع صفة المبنى السكني عليه، وتحويله إلى مبنى إداري، وخصص لبلدية سوق الجمعة بدلا من مكانها المعروف المجاور لمبنى مركز شرطة سوق الجمعة، والذي خصصه التعليم ليكون مدرسة ابتدائية عرفت زمنا بـ (مدرسة البلدية)، ثم أصبحت أثرا بعد عين، إذ تم هدمها في توسعة طريق سوق الجمعة الرئيسي العام. أما مكتب التعليم فقد خصص له شقتين بالدور الثاني من مبنى النيابة خلف الحديقة العامة.

مقالات ذات علاقة

اليوم العالمي للشعر

المشرف العام

متحف حي في قلب أثينا

عبدالسلام الزغيبي

إطلالة وتحية للعدد الواحد والأربعون: (تراث الشعب) مدرسة الصبر والامل

حواء القمودي

2 تعليقات

عبدالحكيم عامر الطويل 3 يونيو, 2023 at 08:06

شكراً جزيلاً للكاتب صلاح الفنادي على هذه الإضافة التي أظن أنها أول دراسة تاريخية تنشر لهذا المبنى التاريخي، متمنياً أن يكون مسجل ضمن آثار ليبيا وسوق الجمعة

رد
المشرف العام 3 يونيو, 2023 at 08:33

نشكر مرورك الكريم

رد

اترك تعليق