فتحية الجديدي
في كتاب (حكايتي مع ليبيا) صفحات حملت سيرة المناضل بشير الرابطي الذي لا نعرف عنه الكثير، نحن جيل استفاق على تاريخ يحمل في سجلاته الأسماء الكثيرة ممن ناضلوا وكافحوا وبذلوا الغالي والرخيص من أجل ليبيا.
كتب عنه صديق عمره جمال الشواربي .. “الرابطي ” واحد من كثيرين جاءت إليه الدنيا بزخرفها وزينتها فتركها وراح يلملم شتات الشعب الليبي بتكوين الحزب الوطني والذي يعتبر امتدادا للتنظيم الوطني الليبي الذي قامه في منفاه خارج البلاد اقتناعا منه بأن ليبيا سترجع شامخة بسواعد أبنائها وقوة عزيمتهم.. “الرابطي” الذي شغل رئيس مجلس الأمة الاتحادي لثلاث دول اعتبر القيمة الحقيقية هي حب بلاده
بشير الرابطي من مواليد 1939 من حي الظَهرة بطرابلس عاش بها في أسرة فقيرة غاب عائلها عن الدنيا وهو لازال صغيرا، كانت طقوس اهل الحي تميزهم وتزيل عنهم بعضا من البؤس والمعاناة لكنها شكلت أرشيفا اجتماعيا وفنيا ومصدرا ثقافيا فيما بعد لممارسة العديد من العادات بالمناسبات الدينية التي ارتسمت كنمط للحياة العادية في تلك الفترة، تعلم بشير الرابطي إيقاعات موسيقية لنظم السيرة النبوية والاذكار، وجمع بين صنوف المعرفة من الزوايا الطرابلسية وأخذه لعلم التصوف واستفاد كثيرا من التعليم وكتَاب وجلسات المشايخ.
موت أبيه حوله لولي أمر اسرته المتكونة من ست إخوة والوالدة والجدة عندما تحمل المسؤولية وهو في المرحلة الاعدادية وألزمه الظرف أن يكون عائلا لهم، حيث دخل للعمل بمصنع التبغ الذي يسمى “بالريجيا” ذاك الوقت ، مكان والده ( محمد مسعود الرابطي ) الذي يسمونه اصحابه وزملاء العمل “الفقيه” لحفظه القرآن الكريم.
اتيحت له الفرصة لإكمال دراسته مع توليه مسؤولية تعليم اخوته وتحقيق وصية والده الذي كان وفيا لها.
كان وجوده وسط عمال مكافحين مجالا لفرصة توليه العمل النقابي بعد أن تم انتخابه سكرتيرا لنقابة العمال لجلب حقوقهم والدفاع عنهم، ودافعا لمواصلة دراسته، حيث ظهرت علاقته بالأساتذة بمدرسة طرابلس الثانوية الذين أحب من خلالهم جمال عبد الناصر الذي كان يراه صورة الزعيم الحقيقي الذي حمل هموم شعبه، حيث تتلمذ شباب الظهرة على حب عبدالناصر، ونمت فكرة النضال لديهم من خلال حماسهم وتمسكهم بحب بلادهم و وطنيتهم . ترأس “الرابطي” نادي الظهرة وكان رئيسا لاتحاد الملاكمة وحكما دوليا فيما بعد وانشأ نادي الظهرة عام 1947 الذي اشتهر بنادي ” كوريا “، كما شارك بعدة مظاهرات خرجت من أجل رفع الظلم و رحيل الاجنبي ودعم دولة الجزائر في نضالها ضد الفرنسيين ونصرة القضية الفلسطينية ، تم اعتقاله اكثر من مرة ومن هنا بدأ حراكه السياسي من خلال الحركات الطلابية وأسس مع رفاقه اتحاد طلبة ليبيا وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم الحصائري والاستاذ عاشور مقيق والمناضلين جمعة الفرجاني ، وأحمد الغرياني واسماء تناولها الكتاب من مختلف المدن ، وكان من أشهرهم محمد شعبان والمنير الطاهر والرماح وبلقاسم القانقا وأولاد البشتي وعلي المرموري وغيرهم ممن لم تجدهم الذاكرة .
لفقت للرابطي العديد من التهم من قبل أمن الدولة في ذلك الوقت لإبعاده عن المظاهرات ومن هنا قرر المضي في النضال لو كلفه حياته.