الطيوب
نظم مكتب النشاط الثقافي بالمركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بطرابلس ضمن الموسم الثقافي لعام 2021-2022م، مساء يوم الأربعاء 19 من شهر يناير الجاري، محاضرة بعنوان (محاولات بناء الدولة الحديثة في ليبيا بين النجاح والإخفاق 1551-2011م) ألقاها الدكتور “مختار الطاهر كرفاع” وقد قام الدكتور “علي الهازل” بالتقديم والتعريف بالدكتور كرفاع وهو متحصل على ليسانس آداب وتربية تخصص تاريخ من جامعة قاريونس ببنغازي عام 1981م صدر له العديد من الكتب والمؤلفات من أبرزها (الحركة العمالية في ليبيا 1943-1969م) 2000م و(ليبيا في السياسة الخارجية لروسيا -الاتحاد السوفيتي 1911-1951م) 2007م، واستهل الدكتور مختار محاضرته بطرح تساؤل محوري مؤاده لماذا فشل الليبيين في تأسيس دولة وطنية قوية أسوة بالمحيط العربي والإقليمي ؟.
توحيد الأقاليم الليبية الثلاثة
حيث أشار إلى أن الحديث عن ظهور الدولة الليبية الحديثة في إطارها الجيوسياسي المعروف اليوم يعود لعام 1551م، حينما تكمن الأتراك العثمانيون من تحرير طرابلس من مجموعة فرسان القديس يوحنا ثم ضم برقة لطرابلس تحت مسمى إيالة طرابلس الغرب وبرقة، ولفت أنه في عهد أحمد القرمانلي تم ضم فزان لطرابلس أيضا وبهذا تم توحيد الأقاليم الثلاثة في إطار جيوسياسي واحد لأول مرة في التاريخ.
واسترسال قائلا بأنه حتى لا يتم القفز على المراحل التاريخية وأحداثها الهامة لابد من العودة للتاريخ لاعطاء صورة عن حالة البلاد قبل عام 1551م وهو حسب الدكتور مختار العام الذي يمثل الأرضية التاريخية لظهور الدولة الليبية الحديثة، مشيرا أن المصادر التاريخية تُجمع على أن إقليم طرابلس كان جزء من الدولة الحفصية حتى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي وبانهيار تلك الدولة تشكل في طرابلس حكم أشبه ما يكون بالنظام الجمهوري أساسه مجلس شورى يرأسه شيخ كان آخرهم يدعى “عبد الله بن شرف” الملقب بالمرابط ففي عهده عرفت طرابلس رخاءً اقتصاديا وسلاما اجتماعيا واستقرارا أمنيا على الصعيدين الداخلي والخارجي.
الإحتلال الأسباني وتبعاته
واستعرض الدكتور مختار تاريخ الهجوم الأسباني على مدينة طرابلس الذي يعود لعام 1510م بقيادة “بيترو دي نافارا” وتمكنهم من احتلال كامل المدينة بعد معركة دامية مع المدافعين عنها، مؤكدا إلى أنه في ذلك العام سنحت لليبيين فرصة تاريخية للاستقلال وتكوين الدولة الوطنية المستقلة على الأقل في حدود إقليم طرابلس لكن نظرا لغياب مفهوم الدولة الوطنية والضعف العسكري الذي كانت عليه البلاد وقتذاك رغم الرخاء الاقتصادي بالإضافة لغياب مفهوم الوطن بمعناه السياسي عن العقلية الليبية وانعدام وجود شخصية قيادية قوية ووطنية كل هذه العوامل تضافرت لتتشكل سببا مباشرا مكن الغزاة من احتلال المدينة والسيطرة عليها، لكن في المقابل شكل الاحتلال الأسباني لطرابلس عبئا على خزينة الدولة الإسبانية ما دفع الملك شارل الخامس ملك إسبانبا للتنازل عنها لصالح مجموعة فرسان القديس يوحنا عام 1530م، وعرّج على استعانة الليبيين بالعثمانين وطلب مساعدتهم للتخلص من احتلال فرسان القديس يوحنا واستجابة العثمانين لطلب استغاثة الليبيين اللذين وجدوها سانحة مؤاتية لهم لبسط نفوذهم الدائم في المنطقة وأرسلت إسطنبول أساطيلها بقيادة القائدين درغوت باشا وسنان باشا اللذان نجحا مع القوى الوطنية المتمركزة في تاجوراء من تحرير المدينة من فرسان القديس يوحنا للتتحول ليبيا عام 1551م لولاية عثمانية تحت مسمى إيالة طرابلس الغرب وبرقة حتى عام 1912م من القرن المنصرم.
الفرص التاريخية المهدورة
وأضاف الدكتور مختار إن الليبيون ضيعوا فرصة تاريخية ثانية لقيام دولة وطنية عام 1711 وذلك عندما تولى أحمد باشا القرمانلي في العهد العثماني الثاني وهو أحد الجنود الإنكشاريين بالحامية العثمانية مقادير الأمور في طرابلس وتأسيس الأسرة القرمانلية التي استمر حكها على البلاد حتى عام 1835م ورغم نجاح هذه الأسرة في توحيد الأراضي الليبية تحت حكم مركزي مقره طرابلس مانحة البلاد شكلا نسبيا من أشكال الدولة الحديثة، واعتماد القرمانليين في تثبيت أركان حكمهم على التحالفات القبلية والجهوية والمناطقية عمق من الخلاف بينهم وفاقم من إنقسام الليبيين في صراعهم على السلطة، وتابع إن الفرصة التاريخية الثالثة التي أضاعها الليبيون لقيام دولة وطنية كانت عام1832 حينما تناول يوسف باشا القرمانلي عن الحكم لابنه علي بسبب تردي الأوضاع العامة للبلاد حيث دخلت البلاد في حرب أهلية طاحنة بين القوى المتصارعة، وأردف المحاضر بأن الفرصة التاريخية الرابعة التي أضاعها الليبيون كانت عام 1912م حينما خرج الأتراك من ليبيا بموجب معاهدة أوشي لوزان التي تنازلت فيها تركيا عن ليبيا لإيطاليا وفي ذات الوقت منحت ليبيا استقلالها ذاك الاستقلال لم ينجح الليبيون في اقتناصه وتحقيقه والتمتع به على أرض الواقع لتبرز لاحقا القيادات القبلية والمناطقية في إدارة الصراع مع إيطاليا أدى ذلك لتشكل الهوية الوطنية الليبية ولم تأخذ تلك الهوية بعدا سياسيت موحدا لكل ليبيا.
كما جاء الدكتور مختار على ذكر الفرصة التاريخية الخامسة وتحديدا عام 1940 في مؤتمر الأسكندرية بين إدريس السنوسي والقيادات الليبية في المهجر ورغم الظرف التاريخي الذي يمر به العالم أنذاك أخفق الليبيون في توحيد جهودهم تحت قيادة واحدة لتحرير بلادهم من المحتل، وصولا للفرصة التاريخية السادسة عام 2011م والتي توارث فيها الليبيون ذات الإخفاق في بناء دولتهم والتأسيس لهوية وطنية جامعة .
الجغرافيا حجر عثرة
وعزى الدكتور مختار ما اعتبره فشل الليبيون في تأسيس الدولة الوطنية لعدة أسباب أبرزها في معرض إجابته أن فشل الليبيون في بناء وتأسيس دولتهم الوطنية يكمن في الجغرافيا وتضاريسها وأقاليم البلاد المختلفة فهي مناطق تختلف أهميتها ومكانتها الاقتصادية والبشرية والسياسية عبر العصور وهو ما خلق كما يرى الدكتور مختار نوعا من التناغم المصطنع حتمته المصالح المشتركة بين السكان رغم تباعدهم جغرافيا.