لو أن الكاتبَ المبدع المرحوم أحمد ابراهيم الفقيه، مازال حيّاً بيننا، لكنتُ واثقاً أنه أحسّ بالرضا، وشعربالامتنان، وربما الفخر يتسلل إلى داخله، في الأسبوع الماضي، ساعة الاعلان عن أسماء الروائيين الليبيين الشباب، الذين خاضوا، للمرّة الأولى، تجربة المشاركة في أول مسابقة للرواية الليبية، تحمل اسمه، وتأسست بمبادرة من موقع بلد الطيوب، وبمساهمة مشكورة من شركة HB، بعيداً عن بلادة الأطر والمؤسسات الرسمية الحكومية.
ما يثير الإعجاب والغبطة حقاً، هو أن موقع بلد الطيوب الثقافي، الذي يديره ويشرف عليه الشاعر رامز النويصري، تمكن، بجرأة وبوعي، من خلال هذه المبادرة، بتذكيرنا بما يكمن فينا من امكانيات ومبادرات، من خلال نفض الغبار الذي كان، لأعوام طويلة، يحجب الرؤية عن عيوننا، عبر خلق سابقة أدبية، في واقع ساحة ثقافية، لم تعرف معنى المبادرة الشخصية، لأنها ولدتْ وتربتْ وتعودتْ، طيلة سبعين عاماً، أن تقتات على ما ترميه إليها الحكومات من فُتات، ورضت أن تتحول إلى بركة ماء آسنة، تجتر أيامها بملل وضجر، في أنتظار مالا يأتي، من دواوين حكومات، ومكاتب مؤسسات رسمية، معروفة، تاريخياً، بشدة عدائها للثقافة، وبغضها للمثقفين.
شكراً لموقع بلد الطيوب، ولرامز شخصياً، وشكراً للشخصيات والمؤسسات الخاصة التي سارعت بمد آيادي المساهمة في ايقاد شمعة في ساحة ثقافية لا تتوقف عن لعن الظلام. وشكراً أيضاً للشباب المبدعين الذين سارعوا بالمشاركة بابداعاتهم الروائية، التي نتلهف على قراءتها في أقرب وقت. وهنيئاً للروائي الشاب يوسف ابراهيم حسين على نيله الجائزة المرموقة.
نعم، مبادرة موقع بلد الطيوب ، أكدت أنه في الإمكان أبدع مما كان، إذا توفرت الرغبة، وتوطد العزم والاصرار، وأنبثق الطموح بروح وثابة.
نعم، في الإمكان، أيها المثقفون والمثقفات في ليبيا والخارج، أن تتحدوا الركود الرسمي بتجاهله. وأن تطيحوا بما شيدته المؤسسات الرسمية الحكومية، ذات الصلة بالثقافة، عبر السنين، من حواجز الروتين، وما راكمته في النفوس من قناعات بليدة. وأن تخرجوا بابداعاتكم وبرؤاكم، وبأسئلتكم إلى الناس في بلادكم، عبر رفض ثقافة الاتكاء والاعتماد على مؤسسات حكومية عرجاء، ومن خلال الاعتماد على ما يكمن في أرواحكم من مبادرات، وقدرات، وما في عقولكم من قناعات بأن الثقافة هي حبل النجاة الذي نفتله معاً، بوعي وبحب، لنلقي به إلى ليبيا، وهي تصارع الأمواج، لانقاذها من الغرق، وانقاذ جيل ليبي، من لحمنا ودمنا، ولد وتربى في واقع اجتماعي، ينفر من الثقافة، وينخره الفساد، ويمزقه العنف، والثأرات القبلية والنزعات الجهوية، والاقليمة. وتتكالب القوى الاجنبية على الاستحواذ على ثرواته وتراثه، وتعمل جاهدة على تزييف تاريخه، بحذف متعمد لما عرفه من فترات تنوير، وبنكران ورفض لما أنجبه من مستنيرين ونوابغ، ومفكرين، ومبدعين في الأدب والثقافة والصحافة والفن.
نعم أيها السادة، أينما كنتم وحللتم، نحن والثقافة وبلادنا في أشد الحاجة إلى المبادرات الشخصية لتحريك مياه حياتنا، وارواء بساتين قلوبنا لتتفتح أزهارها، وتينع براعم ورودها، بكل الألوان، ولتفوح بمختلف أنواع العطور.
شكرا لموقع بلد الطيوب ولشركائه مرة أخرى، لأن مبادرتهم الجريئة والوطنية ذكرتنا بما يمكننا واقعياً فعله، كأفراد، من دون مساعدة من حكومات غارقة في أوحال الفساد، وبما يمكننا – معاً أو فرادى- تقديمه وانجازه لثقافتنا الليبية، ولبلادنا ولشعبنا. ونبهتنا إلى حقيقة أن مواصلة حرصنا وتشبتناعلى لعن الظلام وشتم الظلاميين من دون المبادرة بايقاد شمعة، ليس سوى تضييع للوقت واهدار للفرص، وخسارة للمواهب الشابة، ولن يساهم مطلقاً إلا في زيادة تعميق مأساة واقع ثقافتنا ومجتمعنا.
نشر بصحيفة الصباح