الأدب غير الثقافة لكن معظم الذين تسائلوا عن هذه الحقيقة خلطوا بين فرعي هذه الحقيقة، أنت تستطيع أن تكون كاتبا أديبا ودون أن تتحرك من مكانك لكنك لن تكون مثقفا إلا إذا كنت في الناس وتفاعلت معهم ومع أسئلة حياتهم وصراعاتها، أي أن تكون أسئلتهم سابقة عن أسئلتك…
وهنا لك أن تختار بين أن يكون أدبك لك وحدك أم لك وللناس أيضا، أن تكتب مثلا مقالا رائعا عن الزهور وألوانها وأشهر مناطقها أو تختار الكتابة عن عدو يدق أبواب بلادك؟ هنا أمنحك صفة الأديب ولا أمنحك صفة المثقف، وفي المقابل أستحضر هنا قصيدة لا تصالح للشاعر أمل دنقل، هنا صار الأدب موقفا وصار الأديب مثقفا، لأن الثقافة وطن، وبهذا المعيار نقول أن في بلادنا كثير من الأدباء يدعون ما ليس لهم، منهم المكتفي بما هو عليه وليس لنا أن نلومه وليس لنا إلزامه بما لا يستطيع أو بما لا يقتنع به…
وليس لنا هنا أن نعبر عن دهشة غير مبررة ففي أوربا أيضا هذا السؤال لكنهم لا يعيرونه حتى فاصلة في مقال عابر لأنه خارج أداة استفهامهم، البرتو مورافيا أديبا عالميا عظيما ومجنون إلزا لويس آراجون أديبا عالميا عظيما ومثقفا وثائرا عالميا عظيما مزج عشقه لإلزا بعشقه لفرنسا وتفرغ لمحاربة هتلر عندما احتل باريس، ولست هنا في وارد المقارنة مع ما نعاني من خلط في الأوراق في الأدب والثقافة، إلا أني أفضل تذكير المعنيين بهذا السؤال أنهم في البلدان التي سبقتنا في الأسئلة قد تجاوزوا هذا التعريف المحنط الذي نتبناه وقالوا باعتبار المحامي والمهندس والطبيب على سبيل المثال من الذين تجمعهم صفة المثقفين.