طيوب عربية

هل دُق المسمار الأخير في نعش ديوان العرب أم أن الشعر العربي باقٍ؟

الجزيرة نت

شريف محمد جابر

في لقاء له مع برنامج “هذا الصباح” بقناة الجزيرة، قال الكاتب والصحفي عارف حجاوي حين سئل عن مكانة الشعر العربي اليوم إن “الشعر العربي وغير العربي انهار منذ سنوات كثيرة، في الغرب منذ بضع مئات من السنين احتلت الرواية مكانه، في السابق كان حتى شكسبير يكتب المسرحيات شعرا، وما بعد ذلك قال الناس: لا نريد الشعر، نريد أن نعبر بالانطلاق، بالنثر”.

عنترة بن شداد
رسم للروسي هوريماشت من القرن الـ19 يصور الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة يركبان الخيل (مواقع التواصل)


وأضاف حجاوي أن “العرب كانوا يصبّون حياتهم كلها في الشعر، إذا قال العربي بطني يوجعني فهو يقولها شعرا، بعد ذلك قالوا: لماذا هذا التعب؟ نلحق العالم ولتعش الرواية، القصة سيطرت، الإنسان من سن ثلاث سنوات إلى سن مئة وثلاث سنوات يحب القصة، ولذا عاشت القصة والرواية، والشعر انحدر كثيرا، ولذلك رأيت التراث الشعري العربي أعظم تراث شعري في العالم امتد ألفا وخمسمئة سنة قد تهاوى في الخمسين سنة الفائتة”.
ويتفق مع حجاوي إلى حد كبير -وإن بنظرة أقل تشاؤما- الشاعر الراحل محمود درويش الذي قال في مقابلة تلفزيونية قديمة إن الشعر العربي لم يعد ديوان العرب، فقد شاركته في هذه المهمة فنون أخرى كالقصة والرواية وغيرهما، لم يقل درويش إن الشعر العربي قد مات، ولكنه كشاعر مارس الشعر حتى وفاته، واعترف بحجم التأثير المحدود الذي صار إليه الشعر عموما، والشعر العربي خصوصا.

الشعر باقٍ

يقول الشاعر الجزائري رياض بوحجيلة -الذي أصدر مجموعته الشعرية بعنوان “لا شيء يستدعي ابتسامك” عام 2015- في إجابته عن سؤال للجزيرة نت عن موت الشعر العربي “هذا يعيدنا إلى السؤال القديم المتجدد حول وظيفة الشعر والفن عموما، من ينتظر من الشعر أن يطعم جائعا أو يكسو عاريا أو يحرر وطنا فيؤسفني أن أخيب أمله، للشعر وظيفة أخرى مختلفة تماما قد تبدو متغيرة عبر العصور لكن جوهرها واحد هو الإنسان، والشعر باقٍ ما بقي الإنسان على هذه الأرض، هو موقف من الحياة ومن العالم، سواء كان هذا الموقف سياسيا أو اجتماعيا أو عاطفيا أو وجوديا”.
وأضاف بوحجيلة أن “الشعر قد يكتب من أجل الشعر أو من أجل اللغة أو من أجل الجمالية المحضة كما يزعم بعض المنظرين، لكنه يبقى مجرد زخرفة ولعب باللغة حتى ينفخ فيه الشاعر من روحه ويعيده إلى الإنسان ليعيد الإنسان إليه، لا يمكننا أن ننكر أن الشعر العربي تراجع أو انحسر عن الواجهة ولم يعد له ذلك الوهج القديم، لكن خلف هذه الواجهة المظلمة هناك بقعة ضوء صغيرة آخذة في الاتساع”.

تحديات جديدة

أما عن سؤال العوائق المعاصرة التي تقف أمام استمرار الشعر العربي حيا في ضمير القارئ العربي فقال بوحجيلة للجزيرة نت إن “المشكلة الكبرى هي انفصال الشاعر الذي قلنا إنه ضمير الأمة عن أمته وابتعاده عن قضيته الجوهرية التي هي الإنسان وإغراقه في الذاتية، حتى أصبح الشعر الحديث مرادفا للهلوسة والهذيان، وذلك نتيجة تحول الشعر من متبوع إلى تابع على يد شعراء يكتبون على مقاس النظريات النقدية المعلبة، فأصبحوا كالغراب الذي لم يتقن مشية الطاووس وضيّع مشيته، وفي المقابل هناك شعراء يعاندون سنة الكون في التطور وما زالوا واقفين على الأطلال يرفضون الحداثة، وهم في نظري أسوأ من الفريق الأول”.
وأضاف بوحجيلة مسلطا الضوء على الجانب المتفائل “لكن ما يبعث على التفاؤل أن هناك أجيالا جديدة تشتغل في صمت وبعيدا عن الضوء، غالبا فهمت أن عليها أن تصنع حداثتها الخاصة التي تتناغم مع خصوصيات الشعر واللغة العربيين ولا تتنكر لموروثه الأدبي الضخم بل تتخذه قاعدة تبني عليها حداثتها حتى لا تجرفها رياح الحداثة المعلبة ولا تعيش خارج الزمن”.
أما الشاعر السوري إبراهيم طيار -الذي أصدر مجموعته الشعرية “ألف ليلة عربية وليلة” عام 2010- فقال في إجابته عن سؤالي الجزيرة نت “السؤالان مترابطان باعتبار أن معيار حياة الشعر هو ارتباطه بضمير ووجدان القارئ وتعبيره عنه بأن يكون صوتا له، وعلى الشاعر أن يكون قارئا قبل أن يكون شاعرا ليوصل صوته إلى قارئه يعبر عنه، وفي المقابل على القارئ أن يكون شاعرا إلى حد ما ليفهم الشعر كما أراده الشاعر، فالعملية تفاعلية بين الشاعر وقارئه، والموت هو موت الاثنين معا، والحياة حياتهما معا”.
وفي لقاء الجزيرة نت مع الباحث والناقد الأدبي الدكتور عادل الأسطة، قال مسلطا الضوء على البعد العالمي للشعر إن “سؤال موت الشعر طرح في ثمانينيات القرن الماضي في فرنسا، إذ لم يعد يطبع من أي ديوان أكثر من ألف نسخة، يومها شاعت العبارة أنهم يدقون آخر مسمار في نعش الشعر، ولكن هناك شعراء جدد أثبتوا مكانة معتبرة لشعرهم، فقبل عشرين عاما كتبت شاعرة ألمانية هي أولا هان قصائد لقيت اهتماما وترحيبا وطبعت أعمالها ووزعت توزيعا جيدا”.
وأضاف الأسطة “لا أظن أن الشعر يموت ولكنه قد يذوي ويخفت، ولكن سيظل هناك شعراء يفاجئون القراء، هناك قصائد جميلة وأصوات شعرية لافتة عندنا، منها تميم البرغوثي مثلا، صحيح أننا لا نقرؤه ولكننا نصغي إليه، وفي فرنسا استعيض عن طباعة الشعر بإحياء أمسيات شعرية في الربيع”.

الشعر في مواقع التواصل الاجتماعي

من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وغيرهما يلاحظ بوضوح تداول الشعر العربي قديمه وحديثه من قبل المشاركين العرب في هذه المواقع، ففي موقع تويتر -على سبيل المثال- تبرز صفحة “أدب” بأكثر من مليوني متابع، وتنشر من الشعر القديم والحديث ما ينال إعجاب المتابعين وتفاعلهم.
وفي موقع التواصل الاجتماعي تبرز صفحات تلقى رواجا بين المتابعين، وتعتني بنشر مختلف فنون الشعر العربي التقليدي، والذي يحوز على تفاعل رواد هذه المواقع على سبيل المثال لا الحصر صفحة “غزليات” المهتمة بنشر فنون الغزل الشعري، وصفحة “هجائيات” المهتمة بنشر هذا الباب من الفنون الشعرية.
وفي سياق آخر، يبدو أن وسائل الإعلام الحديثة كان لها دورها في تقريب الشعر للقارئ العربي المعاصر، والذي يميل إلى المرئي والمسموع أكثر من المقروء، وهنا تبرز تجربة الشاعر تميم البرغوثي على قناة “AJ+”، حيث تنشر القناة بعض قصائده في يوتيوب وفيسبوك مصحوبة برسوم متحركة وإلقاء شعري له، مما يضفي على الشعر حياة ومواكبة لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي بات الجمهور المعاصر معتادا عليها.

جوائز ومسابقات

وإلى جانب ذلك، تقوم بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية برعاية مسابقات وجوائز شعرية دورية، منها على سبيل المثال جائزة “كتارا” السنوية لشاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تسعى كما جاء في موقعها الرسمي إلى “أن تكون رائدة ومتميزة على مستوى العالم، كما تسعى لأن تكون صرحا لنشر الشعر الفصيح والشعر النبطي، وأن تصبح كتارا منصة إبداعية جديدة في تاريخ الشعر العربي، وحافزا دائما لتعزيز الإبداع العربي ودعم الحركة الأدبية والثقافية في مختلف أرجاء الوطن العربي”.
كما برز برنامج “أمير الشعراء” وهو -كما جاء في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت- “برنامج تلفزيوني تنظمه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبو ظبي”، كما تم تعريفه في الموقع نفسه بأنه “مسابقة أدبية في مجال الشعر العربي الفصيح”. 

هذا إلى جانب جائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربي، وقد جاء تعريفها في موقع ويكيبيديا بأنها “جائزة عالمية أعلن عنها الأمير خالد الفيصل في نوفمبر 2018 تحت إشراف أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف في المملكة العربية السعودية، وتمنح للشعراء العرب لتحفيز وتنمية الإبداع الشعري”.

مقالات ذات علاقة

صدور مسرحيّة (البُعْدُ الخامس) المقتبسة عن رواية (أعشقني)

المشرف العام

همس القراءة.. أمة اقرأ يجب أن تقرأ

حسين عبروس (الجزائر)

المثقّفون في تونس: أيّ دور، أيّ رهان؟

عزالدين عناية (تونس)

اترك تعليق