مازلت أذكر عندما كنت في سن النضوج لم أتجاوز العاشرة من عمري في قريتي ” مسة” أن السوريلات بالمستشفى الذي يكاد يكون الوحيد في المنطقة من طبرق إلى المرج.. كنّ يتمتعن باحترام خاص من سكان القرية.. وكنّ يوزعن الابتسامات دون قيد لكل المخلوقات.. حتى الحيوانات والزهور والأشجار لها حظوظ وافرة في نفوسهن.. وكنّ كل يوم أحد يقمن صلاتهن بالكنيسة التي مازالت على قيد الأرض حتى الآن.. كنا نتسلل أنا وزملائي لحضور الصلاة من باب حب الاستطلاع والطمع في أقراص الحلوى التي توزع عقب انتهاء صلاتهن رفقة البيباص ” القسيس” الذي كان يأتي من البيضاء.. كانت الممرضة “مادري” و هي من أصل إيطالي أقربهن إلى قلوبنا.. تشاركنا مناسبات القرية.. وتعالج المرضى من كبار السن في البيوت.. كانت تحنو برفق على الأطفال وكثيرًا ما تتبنى أطفال الأسر الفقيرة فيعيشون في كنفها بحياة تختلف عن حيانتا.. ملابس مميزة وأناقة فارهة ونظافة جسد ليست كأجسادنا التي تفوح منها رائحة العرق.. حتى تسريحة الشعر تختلف على تسريحانتا التي تطغى عليها حلاقة الصفر..
ذات رمضان شاهدتني وأنا أقضم كسرة خبزة تنور في وضح النهار.. نظرت إليّ بعتاب ولوم.. وكانت تجيد التحدث باللهجة العامية بطلاقة وقالت لي : كيف لا تصوم وأنت رجل كبير الآن ؟ ثم أردفت قائلة : لو لم تكن قادرًا على الصيام فليس من اللائق أن تأكل في الشارع أمام الناس..
أدركت فيما بعد لماذا أطلقوا على السوريلات ملائكة الرحمة.. !!
المنشور السابق
المنشور التالي
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك