من أعمال التشكيلي صلاح غيث
قصة

الخروج من الغابة

من أعمال التشكيلي صلاح غيث
من أعمال التشكيلي صلاح غيث

1
… في البدء كان الكَلْب في الغابة…
الذئب والكَلْبُ يُقعيان فوق الحافّة الصخرية التي تُظلِّلها الأغصان.. يراقبان الراعي في الأسفل حيث تنحسر الغابة.. ويمتد سهل مُعْشِب.. ينحني متوكِّئاً على عصاه.. يتلفَّت ناحية الأدغال.. يصفر.. يُلقي بالأحجار أمام الماعز.. يصرخ أحياناً.
قال الذئب:
ـــ أترى تلك العَنْز التي ولدت لتوِّها؟ سآخذ جَدْيَها عند حلول المساء.
حَكَّ الكلبُ رقبته مُصدِراً أنيناً مُتقطِّعاً:
ـــ سيكون هذا مثل المرّات السابقة.. يتفطَّن لك الراعي.. يُحاصرك بين الصخور.. ويُوسعُك ضرباً بعصاه.
لعق الذئب أثر الجرح على ساقه.. وقال:
ـــ كان ذلك في القمراء.. أمّا الليلة فالأمر يختلف.
ـــ الراعي أكثر حذراً في الليالي المظلمة.
ـــ مهما يكن.. سأتمدَّد هنا.. وأكتفي بمراقبة ذلك الجدي حتى الليل.. انظرْ إليه وهو يحاول النهوض.. لا يزال البُخار يتصاعد من ظهره.
تثاءب الكلب ثم نهض:
ـــ أمّا أنا فلن أستطيع الصبر على الجوع حتى المساء.. أمعائي تُقرقِر.. سأنزل.
ـــ في النهار؟!
ـــ كفانا تشرُّداً.. سأعقد صفقةً مع الراعي.
أخذ الكلب ينْزل بحذر.. صرَّ الذئب على أسنانه:
ـــ هذا جنون.. الراعي لا أمان له.
ـــ أمعائي تُقَرقِر.
ـــ أتتخلَّى عن الغابة؟
ـــ أمعائي تُقَرقِر.
ـــ أتتركني؟
ـــ أمعائي تُقَرقِر.
ـــ غبي.. غبي!
أومأَ الكلب برأسه إلى شجرة العَرْعَر وقال:
ـــ سئمْتُ أكل الزّنْباع.

2
… عينا الذئب خلف الصخرة..
الراعي يتناول عشاءَه.. اللهب ينعكس على مؤخرة الكلب.. ووجهه غائب في الظلمة حيث يوجِّه نباحه إلى الغابة.. يقطع النباح.. يهزُّ ذيله.. يلتقط العظم.. يتمدَّد قرب النار فتضيء وجهه.. ينهض مرَّةً أخرى نابِحاً نحو الظلمة.

3
… وثب الكلب إلى الناحية التي جفل منها الماعز.. اشتمَّ الرائحة.. أخذ دورة واسعة.. وفي لحظة كان وجهاً لوجه مع الذئب.
ـــ أعرف كلَّ مساربِك.
ـــ يبدو أنَّ أمعاءك لا تزال تُقرقِر.. لا تكذب.. رأيتُ كلَّ شيء.. أهذه هي الصَّفْقة؟!
ـــ لم أكن أعرف معنى الدفء قبل النار.
ـــ ألم تعد تُحْسِن العواء؟
ـــ الماعز لا يستأنس بالعواء.
ـــ ولماذا تهزُّ ذيلك كثيراً؟ هل هي عادة اكتسبتها أيضاً؟ ثم أين وَبَرُك الرمادي؟
ـــ الراعي لا يحب الوَبَر الرمادي.
ـــ كلّ هذا حدث في عشيّة واحدة! هكذا إذن.. في الليل حارس.. وفي النهار ناعِس.
ـــ دفء النار لا يعدله شيء.. سئمتُ الليالي الباردة المطيرة.. أَبِيْتُ مقروراً وأمعائي خاوية.. بإمكانك أن تتبعني.. جرِّب مرَّة واحدة دفء النار.
كشَّر الذئب:
ـــ النار مُغرية حقًّا.. ولكن ابتعد عن طريقي.
ـــ ماذا ستفعل؟ هل ستأكل الزّنْباع؟
التفت الذئب:
ـــ أتعرف ماذا سأفعل؟ 
صمت قليلاً.. ثم أضاف:
ـــ سأعوي.. سأعوي وأُنصت إلى صدى عوائي تُردِّده الغابة.
اتَّجه إلى الغابة.. وقال في الظلام:
ـــ بالمناسبة.. نُباحُك مُزْعِج.

(2004)

مقالات ذات علاقة

أجنحة الرصيف

صفاء يونس

قصة الحاج الزروق والحاجة مدللة وثورة فبراير! (3)

المشرف العام

الآن حرة

أمل بنود

اترك تعليق